الرَّحْمَة وَهِي كَفَّارَة الذُّنُوب السَّابِقَة والنبو عَن الذُّنُوب اللاحقة بألا يقبلهَا صميم قلبه، فَجَعلهَا لصوم عَرَفَة، وَلم يصمه رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجَّته لما ذكرنَا فِي التَّضْحِيَة وَصَلَاة الْعِيد من أَن مبناها كلهَا على التَّشَبُّه بالحاج وَإِنَّمَا المتشبهون غَيرهم.
وَمِنْهَا سِتَّة الشوال، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من صَامَ رَمَضَان فَأتبعهُ سِتا من شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر كُله "، والسر فِي مشروعيتها أَنَّهَا بِمَنْزِلَة السّنَن الرَّوَاتِب فِي الصَّلَاة تكمل فائدتها بِالنِّسْبَةِ إِلَى أمزجة لم تتام فائدتها بهم، وَإِنَّمَا خص فِي بَيَان فَضِيلَة التَّشَبُّه بِصَوْم الدَّهْر لِأَن من الْقَوَاعِد المقررة أَن الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا، وبهذه السِّتَّة يتم الْحساب.
وَمِنْهَا ثَلَاث من كل شهر لِأَنَّهَا بِحِسَاب كل حَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا تضاهي
صِيَام الدَّهْر، وَلِأَن الثَّلَاثَة اقل حد الْكَثْرَة، وَقد اخْتلفت الرِّوَايَة فِي اخْتِيَار تِلْكَ الْأَيَّام، فورد " يَا أَبَا ذَر إِذا صمت من الشَّهْر الثَّلَاثَة فَصم ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة " وَورد كَانَ يَصُوم من الشَّهْر السبت والأحد والاثنين، وَمن الشَّهْر الآخر الثُّلَاثَاء والآربعاء وَالْخَمِيس، وَورد من غرَّة كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام، وَورد أَنه أَمر أم سَلمَة بِثَلَاثَة أَولهَا الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس، وَلكُل وَجه، وَاعْلَم أَن لَيْلَة الْقدر ليلتان: إِحْدَاهمَا لَيْلَة
{فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} .
وفيهَا نزل الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة ثمَّ نزل بعد ذَلِك نجما نجما، وَهِي لَيْلَة فِي السّنة، وَلَا يجب أَن تكون فِي رَمَضَان، نعم رَمَضَان مَظَنَّة غالبة لَهَا، وَاتفقَ أَنَّهَا كَانَت فِي رَمَضَان عِنْد نزُول الْقُرْآن، وَالثَّانيَِة يكون فِيهَا نوع من انتشار الروحانية ومجيء الْمَلَائِكَة إِلَى الأَرْض، فيتفق الْمُسلمُونَ فِيهَا على الطَّاعَات، فتتعاكس أنوارهم فِيمَا بَينهم، ويتقرب مِنْهُم الْمَلَائِكَة، ويتباعد مِنْهُم الشَّيَاطِين ويستجاب مِنْهُم أدعيتهم وطاعاتهم، وَهِي لَيْلَة فِي كل رَمَضَان فِي أوتار الْعشْر الْأَوَاخِر تتقدم، وتتأخر فِيهَا، وَلَا تخرج مِنْهَا، فَمن قصد الأولى قَالَ: هِيَ فِي كل السّنة، وَمن قصد الثَّانِيَة قَالَ: هِيَ فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان، وَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أرى رؤياكم قد تواطأت فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَمن كَانَ متحريها فليتحرها فِي السَّبع الْأَوَاخِر، وَقَالَ: أَرَأَيْت هَذِه اللَّيْلَة ثمَّ أنسيتها وَقد رَأَيْتنِي أَسجد فِي مَاء وطين " فَكَانَ ذَلِك فِي لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين "، وَاخْتِلَاف
الصَّحَابَة فِيهَا مَبْنِيّ