فتتمثل فِي نَفسه صُورَة المَال شَيْئا وَاحِدًا وتتمثل إحاطتها بِالنَّفسِ تطوقا وتأذي النَّفس بهَا بلسع الْحَيَّة الْبَالِغَة فِي السم أقْصَى الغايات، وَالثَّانِي فِيمَا يغلب عَلَيْهِ حب الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير بِأَعْيَانِهَا، ويتعانى فِي حفظهَا، وتمتلئ قواه الفكرية بصورها فتمثل تِلْكَ الصُّورَة كَامِلَة تَامَّة مؤلمة.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السخي قريب من الله قريب من الْجنَّة قريب من النَّاس بعيد من النَّار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الْجنَّة بعيد من النَّاس قريب من النَّار، ولجاهل سخي أحب إِلَى الله من عَابِد بخيل " أَقُول: قربه من الله تَعَالَى كَونه مستعدا لمعرفته وكشف الْحجاب عَنهُ، وقربه من الْجنَّة أَن يكون مستعدا بطرح الهيآت الخسيسة الَّتِي تنَافِي الملكية لتَكون البهيمية الحاملة لَهَا بلون الملكية، وقربه من النَّاس أَن يحبوه، وَلَا يناقشوه لِأَن أصل المناقشة هُوَ الشُّح، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِن الشُّح أهلك من كَانَ قبلكُمْ حملهمْ على أَن يسفكوا دِمَاءَهُمْ ويستحلوا مَحَارِمهمْ " وَإِنَّمَا كَانَ الْجَاهِل السخي أحب من العابد الْبَخِيل لِأَن الطبيعة إِذا سمحت بِشَيْء كَانَ أتم وأوفر مِمَّا يكون بالقسر.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثل الْبَخِيل والمتصدق كَمثل رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا جنتان " الحَدِيث أَقُول: فِيهِ إِشَارَة إِلَى حَقِيقَة الْإِنْفَاق والإمساك وروحهما، وَذَلِكَ أَن الْإِنْسَان إِذا أحاطت بِهِ مقتضيات الْإِنْفَاق، وَأَرَادَ أَن يَفْعَله يحصل لَهُ _ وَإِن كَانَ سخي النَّفس سمحها - انْشِرَاح روحاني وصولة على المَال، ويتمثل المَال بَين يَدَيْهِ حَقِيرًا ذليلا يكون نفضه عَنهُ هينا، بل يستريح بذلك، وَتلك الْخصْلَة هِيَ الْعُمْدَة فِي نفض النَّفس علاقاتها بالهيآت الخسيسة والبهيمية المنطبعة فِيهَا، وَإِن كَانَ شحيحا غاصت نَفسه فِي حب المَال، وتمثل بَين عَيْنَيْهِ حسنه، وَملك قلبه فَلم يسْتَطع مِنْهُ محيصا، وَتلك الْخصْلَة هِيَ الْعُمْدَة فِي لجاج النَّفس بالهيآت الدنية واشتباكها بهَا، وَمن هَذَا التحقق يَنْبَغِي أَن تعلم معنى قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يدْخل الْجنَّة خب وَلَا بخيل وَلَا منان ".
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يجْتَمع الشُّح وَالْإِيمَان فِي قلب عبد أبدا " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " للجنة أَبْوَاب ثَمَانِيَة فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة " الحَدِيث.