هَؤُلَاءِ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْمَجُوس حرفوا دينهم، وعبدوا الشَّمْس،؛ فَوَجَبَ أَن تميز مِلَّة الْإِسْلَام من ملتهم غَايَة التَّمْيِيز، فنهي الْمُسلمُونَ عَن الصَّلَاة فِي أَوْقَات صلواتهم أَيْضا.
ولاتساع أَحْكَام الصَّلَاة وَكَثْرَة أُصُولهَا الَّتِي تبنى عَلَيْهَا لم تذكر الْأُصُول
فِي فَاتِحَة كتاب الصَّلَاة كَمَا ذكرنَا فِي سَائِر الْكتب، بل ذكرنَا أصل كل فصل فِي ذَلِك الْفَصْل.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع سِنِين وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وهم أَبنَاء عشر سِنِين، وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع " أَقُول: بُلُوغ الصَّبِي على وَجْهَيْن: بُلُوغ فِي صَلَاحِية السقم وَالصِّحَّة النفسانيتين، ويتحقق بِالْعقلِ فَقَط، وأمارة ظُهُور الْعقل سبع، فَابْن السَّبع ينْتَقل فِيهَا لَا محَالة من حَالَة إِلَى حَالَة انتقالا ظَاهرا، وأمارة تَمَامه الْعشْر فَابْن الْعشْر عِنْد سَلامَة المزاج يكون عَاقِلا يعرف نَفعه من ضَرَره ويحذق فِي التِّجَارَة وَمَا يشبهها. وبلوغ فِي صَلَاحِية الْجِهَاد وَالْحُدُود والمؤاخذة عَلَيْهِ، وَأَن يصير بِهِ من الرِّجَال الَّذين يعانون المكايد، وَيعْتَبر حَالهم فِي السياسات المدنية والملية، ويجبرون قسرا على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، ويعتمد على تَمام الْعقل وَتَمام الجثة وَذَلِكَ بِخمْس عشر سنة فِي الْأَكْثَر، وَمن عَلَامَات هَذَا الْبلُوغ الِاحْتِلَام وإنبات الْعَانَة.
وَالصَّلَاة لَهَا اعتباران: فباعتبار كَونهَا وَسِيلَة فِيمَا بَينه وَبَين مَوْلَاهُ منقذه عَن التردي فِي أَسْفَل السافلين أَمر بهَا عِنْد الْبلُوغ الأول.
وَبِاعْتِبَار كَونه من شَعَائِر الْإِسْلَام يؤاخذون بهَا، ويجبرون عَلَيْهَا أشاؤا أم أَبَوا حكمهَا حكم سَائِر الْأُمُور.
وَلما كَانَ سنّ الْعشْر برزخا بَين الحدين جَامعا بَين الْجِهَتَيْنِ جعل لَهُ نَصِيبا مِنْهُمَا. وَإِنَّمَا أَمر بتفريق الْمضَاجِع لِأَن الْأَيَّام أَيَّام مراهقة فَلَا يبعد أَن تُفْضِي المضاجعة إِلَى شَهْوَة المجامعة، فَلَا بُد من سد سَبِيل الْفساد قبل وُقُوعه.