هِيَ ترجع إِلَى معَان:
تَعْظِيم الْقبْلَة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة، وَلَا تستدبروها.
وَفِيه حكمه أُخْرَى، وَهِي أَنه لما كَانَ توجه الْقلب إِلَى تَعْظِيم الله أمرا خفِيا لم يكن بُد من إِقَامَة مَظَنَّة ظَاهِرَة مقامة؛ وَكَانَ الشَّرَائِع الْمُتَقَدّمَة تجْعَل تِلْكَ المظنة الْحُلُول بالصوامع المبنية لله تَعَالَى الَّتِي صَارَت من شَعَائِر الله وَدينه، وَجعلت شريعتنا المظنة اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَالتَّكْبِير، فَلَمَّا جعل الله تَعَالَى اسْتِقْبَال الْقبْلَة قَائِما مقَام توجه الْقلب إِلَى تَعْظِيم الله وَجمع الخاطر فِي ذكر الله وَكَانَ سَبَب إِقَامَته أَن هَذِه الْهَيْئَة تذكر الله - استنبط النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هَذَا الحكم أَنه يجب أَن يَجْعَل هَيْئَة الِاسْتِقْبَال مُخْتَصَّة بالتعظيم وَذَلِكَ بألا يسْتَعْمل فِي الهيأة المباينة للصَّلَاة كل المباينة - ورؤي استقباله واستدباره - فَجمع بتنزيل التَّحْرِيم على الصَّحرَاء والاباحة على الْبُنيان، وَجمع بِحمْل النَّهْي على الْكَرَاهِيَة وَهُوَ الأضهر.
وَمِنْهَا تَحْقِيق معنى التَّنْظِيف، فورد النَّهْي عَن الِاسْتِنْجَاء بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار - أَي ثَلَاث مسحات - لِأَنَّهَا لَا تنقي غَالِبا واستحباب الْجمع بَين الْحجر وَالْمَاء.
وَمِنْهَا الِاحْتِرَاز عَمَّا يضر النَّاس كالتحلي فِي ظلّ النَّاس وطريقهم ومتحدثهم وَالْمَاء الدَّائِم والاستنجاء بالعظم لِأَنَّهُ طَعَام الْجِنّ، وَكَذَا سَائِر مَا ينْتَفع بِهِ، وَأفهم قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتَّقوا اللاعنين " أَن الْحِكْمَة الِاحْتِرَاز عَن لعنهم وتأذيهم، أَو مَا يضر بِنَفسِهِ كالبول فِي الْجُحر، فَإِنَّهُ قد يكون مأوى حَيَّة أَو مثلهَا فَيخرج ويؤذي.
وَمِنْهَا اخْتِيَار محَاسِن الْعَادَات، فَلَا يتمسح بِيَمِينِهِ، وَلَا يَأْخُذ ذكره بِيَمِينِهِ، وَلَا يستنجي برجيع، ويوتر فِي الِاسْتِجْمَار.
وَمِنْهَا رِعَايَة السّتْر فَيَنْبَغِي أَن يبعد لِئَلَّا يسمع مِنْهُ صَوت، أَو يشم مِنْهُ ريح، أَو يرى مِنْهُ عَورَة، وَلَا يرفع ثَوْبه حَتَّى يدنو من الأَرْض،
وَيسْتر بِمثل حائش نخل مِمَّا يواري أسافل بدنه، فَمن لم يجد إِلَّا أَن يجمع كثيبا من رمل، فليستدبره فَإِن الشَّيْطَان يلْعَب بمقاعد بني آدم، وَذَلِكَ لِأَن الشَّيْطَان جبل على أفكار فَاسِدَة وأعمال شنيعة.
وَمِنْهَا الِاحْتِرَاز من أَن يُصِيب بدنه أَو ثَوْبه نَجَاسَة وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يَبُول فليرتد لبوله "