وَلَقَد أطنبنا الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام غَايَة الاطناب حَتَّى خرجنَا من الْفَنّ الَّذِي وَضعنَا فِيهِ هَذَا الْكتاب، وَلَيْسَ ذَلِك لي بِخلق وديدن، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك بِوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا أَن الله تَعَالَى جعل فِي قلبِي وقتا من الْأَوْقَات ميزانا أعرف بِهِ سَبَب كل اخْتِلَاف وَقع فِي الْملَّة المحمدية على صَاحبهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمَا هُوَ الْحق عِنْد الله وَعند رَسُوله، ومكنني من أَن أثبت ذَلِك بالدلائل الْعَقْلِيَّة والنقلية بِحَيْثُ لَا يبْقى فِيهِ شُبْهَة وَلَا إِشْكَال، فعزمت على تأليف كتاب أُسَمِّيهِ ب (غَايَة الانصاف فِي بَيَان أَسبَاب الِاخْتِلَاف) وَأبين فِيهِ هَذِه المطالب بَيَانا شافيا، وَأكْثر فِيهِ من ذكر الشواهد والأمثال والتفريعات مَعَ الْمُحَافظَة على الاقتصاد بَين الإفراط والتفريط فِي كل مقَام والإحاطة بجوانب الْكَلَام وأصول الْمَقْصُود وَالْمرَاد، ثمَّ لم أتفرغ لَهُ إِلَى هَذَا الْحِين.
فَلَمَّا انجر الْكَلَام إِلَى مَأْخَذ الِاخْتِلَاف، حَملَنِي مَا أجد على أَن أبين بعض مَا تيَسّر من ذَلِك.
وَالثَّانِي شغب أهل الزَّمَان وَاخْتِلَافهمْ وعمههم فِي بعض مَا ذكرنَا حَتَّى كَادُوا يسطون بالذين يَتلون عَلَيْهِم آيَات الله، {وربنا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} .
وَليكن هَذَا آخر مَا أردنَا إِيرَاده فِي الْقسم الأول من كتاب (حجَّة الله الْبَالِغَة. فِي علم أسرار الحَدِيث) وَالْحَمْد لله أَولا وآخرا، وظاهرا وَبَاطنا. ويتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى (الْقسم الثَّانِي. فِي بَيَان مَعَاني مَا جَاءَ عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْصِيلًا) .