أَو يكون أَدَاء الطَّاعَة فِيهِ تنويها بِبَعْض شَعَائِر الدّين كَيَوْم الْفطر فِي إِيقَاع الصَّلَاة، وَالصَّدَََقَة فِيهِ تنويه برمضان وَأَدَاء شكر مَا أنعم الله تَعَالَى من توفيق صِيَامه، وكيوم الْأَضْحَى فِيهِ تشبه بالحاج وَتعرض لنفحات الله الْمعدة لَهُم، أَو تكون جرت سنة الصَّالِحين الْمَشْهُود لَهُم بِالْخَيرِ على ألسن الْأُمَم أَن يطيعوا الله تَعَالَى فِيهِ، مثل أَوْقَات الصَّلَوَات الْخمس لقَوْل جِبْرَائِيل: " هَذَا وقتك وَوقت الْأَنْبِيَاء من قبلك " وَمثل رَمَضَان على وَجه وَاحِد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى:
{كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ}
وكصوم يَوْم عَاشُورَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا، وَيُشبه أَن يكون الأَصْل الثَّالِث مُعْتَبرا فِي أَكثر الْأَوْقَات، والأصلان الْأَوَّلَانِ أصل الأَصْل، وَالله أعلم.
اعْلَم أَن الشَّرْع لم يخص عددا وَلَا مِقْدَارًا دون نَظِيره إِلَّا لحكم ومصالح، وَإِن كَانَ الِاعْتِمَاد الْكُلِّي على الحدس الْمُعْتَمد على معرفَة حَال الْمُكَلّفين وَمَا يَلِيق بهم عِنْد سياستهم، وَهَذِه الحكم والمصالح ترجع إِلَى أصُول: الأول أَن الْوتر عدد مبارك لَا يُجَاوز عَنهُ مَا كَانَ فِيهِ كِفَايَة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الله وتر يحب الْوتر، فأوتروا يَا أهل الْقُرْآن " وسره أَنه مَا من كَثْرَة إِلَّا مبدؤها وحدة، وَأقرب الكثرات من الْوَاحِدَة مَا كَانَ وترا؛ إِذْ كل مرتبَة من الْعدَد فِيهَا وحدة غير حَقِيقَة بهَا تصير تِلْكَ الْمرتبَة، فالعشرة مثلا وحدات مجتمعة اعْتبرت وَاحِدًا لَا خَمْسَة وَخَمْسَة، وعَلى هَذَا الْقيَاس، وَتلك الْوحدَة نموذج الْوحدَة الْحَقِيقَة فِي تِلْكَ الْمَرَاتِب وميراثها مِنْهَا، وَفِي الْوتر هَذِه وَمثلهَا مَعهَا وَهُوَ الْوحدَة - بِمَعْنى عدم الانقسام إِلَى عددين صَحِيحَيْنِ متساويين - فَهُوَ أقرب إِلَى الْوحدَة من الزَّوْج، وَقرب كل مَوْجُود من مبدئه يرجع إِلَى قربه من الْحق لِأَنَّهُ مبدأ المبادى، والأتم فِي الْوحدَة متخلق بِخلق الله.
ثمَّ اعْلَم أَن الْوتر على مَرَاتِب شَتَّى: وتر يشبه الزَّوْج، ويجنحه كالتسعة والخمسة فَإِنَّهُمَا بعد إِسْقَاط الْوَاحِد ينقسمان إِلَى زَوْجَيْنِ، والتسعة وَإِن لم تَنْقَسِم إِلَى عدديين متساويين