فَمن تِلْكَ السَّاعَات مَا يَدُور بدوران السنين، وَذَلِكَ بقوله تبَارك وَتَعَالَى:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم أمرا من عندنَا إِنَّا كُنَّا مرسلين}
وفيهَا تعيّنت روحانية الْقُرْآن فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، وَاتفقَ أَنَّهَا كَانَت فِي رَمَضَان.
وَمِنْهَا مَا يَدُور بدوران الْأُسْبُوع، وَهِي سَاعَة خَفِيفَة ترجى فِيهَا استجابة الدُّعَاء وَقبُول الطَّاعَات، وَإِذا انْتقل النَّاس إِلَى الْمعَاد كَانَت تِلْكَ هِيَ سَاعَة تجلى الله عَلَيْهِم وتقربه مِنْهُم، وَقد بَين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن مظنتها يَوْم الْجُمُعَة اسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن الْحَوَادِث الْعَظِيمَة وَقعت فِيهِ كخلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام، وَبِأَن الْبَهَائِم رُبمَا تتلقى من الْمَلأ السافل علما بِعظم تِلْكَ السَّاعَة، فَتَصِير دهشة مرعوبة كَالَّذي هاله صَوت عَظِيم، وَأَنه شَاهد ذَلِك فِي يَوْم الْجُمُعَة. وَمِنْهَا مَا يَدُور بدوران الْيَوْم وَتلك روحانية أَضْعَف من الروحانيات الْأُخْرَى، وَقد أَجمعت أذواق من شَأْنهمْ التلقي من الْمَلأ الْأَعْلَى على أَنَّهَا أَربع سَاعَات قبيل طُلُوع الشَّمْس وبعيد استوائها وَبعد غُرُوبهَا وَفِي نصف اللَّيْل إِلَى السحر، فَفِي تِلْكَ الْأَوْقَات وَقبلهَا بِقَلِيل وَبعدهَا بِقَلِيل تَنْتَشِر الروحانية، وَتظهر الْبركَة، وَلَيْسَت فِي الأَرْض مِلَّة إِلَّا وَهِي تعلم أَن هَذِه الْأَوْقَات أقرب شَيْء من قبُول الطَّاعَات، لَكِن الْمَجُوس كَانُوا قد حرفوا الدّين، فَجعلُوا يعْبدُونَ الشَّمْس من دون الله، فسد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مدْخل التحريف، فَغير تِلْكَ الْأَوْقَات إِلَى مَا لَيْسَ بِبَعِيد مِنْهَا وَلَا مفوت لأصل الْغَرَض، وَلم يفْرض عَلَيْهِم الصَّلَاة فِي نصف اللَّيْل لما فِي ذَلِك من الْحَرج، وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: " إِن فِي اللَّيْل لساعة لَا يُوَافِقهَا عبد مُسلم يسْأَل الله تَعَالَى فِيهَا خيرا من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه " وَذَلِكَ كل لَيْلَة، وَعنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ: " أفضل الصَّلَاة نصف اللَّيْل وَقَلِيل فَاعله " وَسُئِلَ أَي الدُّعَاء أسمع؟ قَالَ " جَوف اللَّيْل " وَقَالَ فِي سَاعَة الزَّوَال: " إِنَّهَا سَاعَة تفتح فِيهَا أَبْوَاب السَّمَاء، فَأحب أَن يصعد لي فِيهَا عملا صَالح " وَقَالَ " مَلَائِكَة النَّهَار تصعد إِلَيْهِ قبل مَلَائِكَة اللَّيْل ووقال " مَلَائِكَة اللَّيْل تصعد إِلَيْهِ قبل مَلَائِكَة النَّهَار " وَقد أَشَارَ الله تَعَالَى فِي مُحكم كِتَابه إِلَى هَذِه الْمعَانِي حَيْثُ قَالَ: