وتنزيهه عَمَّا لَا يَلِيق بجنابه، وَتَحْرِيم الْإِلْحَاد فِي أَسْمَائِهِ، وَأَن حق الله على عباده أَن يعظموه تَعْظِيمًا لَا يشوبه تَفْرِيط، وَأَن يسلمُوا وُجُوههم وَقُلُوبهمْ إِلَيْهِ، وَأَن يتقربوا بشعائر الله إِلَى الله، وَأَنه قدر جَمِيع الْحَوَادِث، قبل أَن يخلقها، وَأَن لله مَلَائِكَة لَا يعصونه فِيمَا أَمر، ويفعلون مَا يأمرون، وَأَنه ينزل الْكتاب على من يَشَاء من عباده، ويفرض طَاعَته على النَّاس، وَأَن الْقِيَامَة حق، والبعث بعد الْمَوْت حق، وَالْجنَّة، وَالنَّار حق، وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على أَنْوَاع الْبر من الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج والتقرب إِلَى الله بنوافل الطَّاعَات من الدُّعَاء وَالذكر وتلاوة الْكتاب الْمنزل من الله، وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على النِّكَاح وَتَحْرِيم السفاح وَإِقَامَة الْعدْل بَين النَّاس وَتَحْرِيم الْمَظَالِم وَإِقَامَة الْحُدُود على أهل الْمعاصِي وَالْجهَاد مَعَ أَعدَاء الله وَالِاجْتِهَاد فِي إِشَاعَة أَمر الله وَدينه، فَهَذَا أصل الدّين، وَلذَلِك لم يبْحَث الْقُرْآن الْعَظِيم عَن لمية هَذِه الْأَشْيَاء إِلَّا مَا شَاءَ الله، فَإِنَّهَا كَانَت مسلمة فِيمَن نزل الْقُرْآن على ألسنتهم، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي صور هَذِه الْأُمُور وأشباحها، فَكَانَ من شَرِيعَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الِاسْتِقْبَال فِي الصَّلَاة إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَفِي شَرِيعَة نَبينَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَة، وَكَانَ من شَرِيعَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الرَّجْم فَقَط، وَجَاءَت فِي شريعتنا بِالرَّجمِ للمحصن وَالْجَلد لغيره، وَكَانَ فِي شَرِيعَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْقصاص فَقَط، وَجَاءَت شريعتنا بِالْقصاصِ وَالدية جَمِيعًا، وعَلى ذَلِك اخْتلَافهمْ فِي أَوْقَات الطَّاعَات وآدابها وأركانها.
وَبِالْجُمْلَةِ فالأوضاع الْخَاصَّة الَّتِي مهدت، وبنيت بهَا أَنْوَاع الْبر والارتفاقات هِيَ الشرعة والمنهاج
وَاعْلَم أَن الطَّاعَات الَّتِي امْر الله تَعَالَى بهَا فِي جَمِيع الْأَدْيَان إِنَّمَا هِيَ أَعمال تنبعث من الهيئات النفسانية الَّتِي هِيَ فِي الْمعَاد للنفوس أَو عَلَيْهَا، وتمد فِيهَا
وتشرحها، وَهِي أشباحها وتماثيلها، وَلَا جرم أَن ميزانها وملاك أمرهَا تِلْكَ الهيئات، فَمن لم يعرفهَا لم يكن من الْأَعْمَال على بَصِيرَة، فَرُبمَا اكْتفى بِمَا لَا يَكْفِي، وَرُبمَا صلى بِلَا قِرَاءَة وَلَا دُعَاء، يُفِيد فَلَا بُد من سياسة عَارِف حق الْمعرفَة يضْبط الخفى المشتبه بأمارات وَاضِحَة، ويجعلها أمرا محسوسا يميزه الأداني والأقاصي، وَلَا يشْتَبه عَلَيْهِم ليطالبوا بِهِ ويؤاخذوا عَلَيْهِ على حجَّة من الله واستطاعة مِنْهُم
والآثام رُبمَا تشتبه بِمَا لَيْسَ باثم كَقَوْل الْمُشْركين:
{إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا}