وَالثَّانِي أَن يعْتَقد أَن لَيْسَ للنَّفس نشأة غير النشأة الجسدية، وَأَنه لَيْسَ لَهَا كَمَال آخر يجب عَلَيْهَا طلبه، فَإِن النَّفس إِذا أضمرت ذَلِك لم يطمح بصرها إِلَى الْكَمَال أصلا.
وَلما كَانَ القَوْل بِإِثْبَات كَمَال غير كَمَال الْجَسَد لَا يَتَأَتَّى من الْجُمْهُور إِلَّا بتصور حَالَة تبَاين الْحَالة الْحَاضِرَة من كل وَجه، وَلَوْلَا ذَلِك لتعارض الْكَمَال الْمَعْقُول والمحسوس، فَمَال إِلَى المحسوس، وأهمل الْمَعْقُول نصب لَهُ مَظَنَّة هُوَ الْإِيمَان بلقاء الله وَالْيَوْم الآخر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
{فَالَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة قُلُوبهم مُنكرَة وهم مستكبرون}
وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذا كَانَ الْإِنْسَان فِي هَذِه الْمرتبَة من الْإِثْم، فَمَاتَ، واضمحلت بهيميته، وشحت عَلَيْهِ المنافرة من فَوْقه كل المنافرة بِحَيْثُ لَا يجد سَبِيلا إِلَى الْخَلَاص أبدا.
والمرتبة الثَّانِيَة أَن يتكبر بكبره البهيمي على مَا نَصبه الله تَعَالَى لوصول النَّاس إِلَى كمالهم، وقصدت الْمَلأ الْأَعْلَى بأقصى هممها إِشَاعَة أمره وتنويه شَأْنه من الرُّسُل والشرائع، فينكرها، ويعاديها، فَإِذا مَاتَ انعطف جَمِيع هممهم منافرة لَهُ، ومؤذية إِيَّاه، وأحاطت بِهِ خطيئته من حَيْثُ لم يجد لِلْخُرُوجِ مِنْهُ سَبِيلا، على أَنه لَا يَنْفَكّ هَذِه الْحَالة من عدم الْوُصُول إِلَى كَمَاله، أَو الْوَصْل الَّذِي لَا يعْتد بِهِ، وَهَذِه الْمرتبَة تخرج الْإِنْسَان من مِلَّة نبيه فِي جَمِيع الشَّرَائِع.
والمرتبة الثَّالِثَة ترك مَا ينجيه، وَفعل مَا انْعَقَد فِي الذّكر اللَّعْن على فَاعله، من جِهَة كَونه مَظَنَّة غَالِبا لفساد كَبِير فِي الأَرْض، وهيئة مضادة لتهذيب النَّفس.
فَمِنْهَا أَلا يفعل من الشَّرَائِع الكاسبة للانقياد، أَو المهيئة لَهُ مَا يعْتد بِهِ، وَيخْتَلف باخْتلَاف النُّفُوس إِلَّا أَن المنغمسة فِي الهيئات البهيمية الضعيفة أحْوج النَّاس إِلَى إكثارها، والأمم الَّتِي بهيميتها أَشد وَأَغْلظ أحْوج النَّاس إِلَى إكثار الشاق مِنْهَا.
وَمِنْهَا أَعمال سبعية تستجلب لعنا عَظِيما كَالْقَتْلِ.
وَمِنْهَا أَعمال شهوية، وَمِنْهَا مكاسب ضارة كالقمار والربا.
وَفِي كل شَيْء من هَذِه الْمَذْكُورَات ثلمة عَظِيمَة فِي النَّفس من جِهَة الاقدام على خلاف السّنة اللَّازِمَة كَمَا ذكرنَا، وَلعن من الْمَلأ الْأَعْلَى يُحِيط بِهِ، فبمجموع الْأَمريْنِ