فَالْمُلْتَزِمُ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَقَدْ حَكَيَا فِيهِ الْجَوَازَ فَيُقَيَّدُ بِمَا قُلْنَاهُ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِيمَا يَقَعُ لَهُ بِهَذَا الْمَذْهَبِ تَارَةً وَبِغَيْرِهِ أُخْرَى وَهَكَذَا.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ) فِي الْمَذَاهِبِ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الْمَسَائِلِ (وَخَالَفَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ) فَجَوَّزَ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا النَّقْلَ عَنْهُ سَهْوٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ حِكَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُقُ بِهِ وَالثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَمْنُوعَةٌ فَفِي الْخَادِمِ أَنَّ الْإِمَامَ الطُّرْطُوشِيَّ حَكَى أَنَّهُ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَهَمَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ بِالتَّكْبِيرِ فَإِذَا طَائِرٌ قَدْ ذَرَقَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَنَا حَنْبَلِيٌّ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْخَ شَافِعِيٌّ يَتَجَنَّبُ الصَّلَاةَ بِذَرْقِ الطَّائِرِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ عَمَلُهُ السَّابِقُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَفِي ذَلِكَ تَقْلِيدُ الْمُخَالِفِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَفِي الْخَادِمِ أَيْضًا أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا عَاصِمٍ الْعَامِرِيَّ الْحَنَفِيَّ كَانَ يُفْتِي عَلَى بَابِ مَسْجِدِ الْقَفَّالِ وَالْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ الْمَغْرِبَ فَتَرَكَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا رَآهُ الْقَفَّالُ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِقَامَةَ وَقَدَّمَ الْقَاضِيَ فَتَقَدَّمَ وَجَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ مَعَ الْقِرَاءَةِ وَأَتَى بِشِعَارِ الشَّافِعِيَّةِ فِي صَلَاتِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا عَاصِمٍ إنَّمَا يُصَلِّي قَبْلُ بِشِعَارِ مَذْهَبِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ سَبْقُ عَمَلِهِ بِمَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ السَّمْهُودِيُّ ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ مَسَائِلَ إلَى أَنْ قَالَ وَدَعْوَى الِاتِّفَاق فِيهَا نَظَرٌ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِإِثْبَاتِ الْخِلَافِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَيْضًا، وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ إذَا اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ وَلَكِنْ وَجْهُ مَا قَالَاهُ أَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إمَامٍ مُكَلَّفٍ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ غَيْرُهُ، وَالْعَامِّيُّ لَا يَظْهَرُ لَهُ الْغَيْرُ بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ حَيْثُ يَنْتَقِلُ مِنْ إمَارَةٍ إلَى إمَارَةٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنِّي أَرَى تَنْزِيلَهُ عَلَى خُصُوصِ الْعَيْنِ فَلَا يَبْطُلُ عَيْنُ مَا فَعَلَهُ وَلَهُ فِعْلُ جِنْسِهِ بِخِلَافِهِ اهـ. كَلَامُ السَّمْهُودِيِّ.
أَقُولُ: وَقَدْ وَقَعَ التَّقْلِيدُ بَعْدَ مُضِيِّ الْعَمَلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَعْمُولِ بِهَا كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا يُوسُفَ صَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُغْتَسِلًا مِنْ الْحَمَّامِ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ وَتَفَرَّقُوا ثُمَّ أُخْبِرُوا بِوُجُودِ فَارَةٍ مَيِّتَةٍ فِي بِئْرِ الْحَمَّامِ فَقَالَ إذَنْ نَأْخُذُ بِقَوْلِ إخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خُبْثًا نَقَلَ هَذِهِ الشَّيْخُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ سَاكِتًا عَلَيْهَا، وَنَقَلَهَا بِيرِيّ زَادَهْ أَيْضًا فِي رِسَالَةٍ لَهُ مَعْمُولَةٍ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّقْلِيدِ فَلِذَلِكَ تَعَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ إنَّ مَا أَفَادَتْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا لِتَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَلَا عَمَلَ لِلدَّلَالَةِ مَعَ الصَّرِيحِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْقُنْيَةِ عَلَى إعَادَتِهِ لِلصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الْحِكَايَةَ ثُمَّ قَالَ فَاغْتَسَلَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَوْمَ بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ اجْتِهَادِي يَلْزَمُ نَفْسِي لَا غَيْرِي، وَنَقَلَ بِيرِيّ زَادَهْ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ فِي شَرْحِ آدَابِ الْخَصَّافِ مَسْأَلَةً يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْقُضَاةُ وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا جَاءَ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ يَرَى مَذْهَبَ الْمُخَالِفِ وَادَّعَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ عَلَى رَجُلٍ هَلْ يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ أَمْ لَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا يَدَّعِي فَإِذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى دَعْوَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فَقَدْ رَكَنَ إلَى مَذْهَبِنَا فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَيَقْضِي لَهُ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا تَقَدَّمَ لِلْقَاضِي يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ هَلْ يُعْتَقَدُ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ يَقْضِي وَإِنْ قَالَ لَا رَفَعَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ وَلَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ وَأَحْسَنُهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَكَيَا فِيهِ) أَيْ فِي الْمُلْتَزَمِ (قَوْلُهُ: الْجَوَازَ) أَيْ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: فَيُقَيَّدُ بِمَا قُلْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْمَلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ إلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ يَسْتَفْتِي مَنْ شَاءَ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ لِلرُّخَصِ وَلَعَلَّ مَنْ مَنَعَهُ لَمْ يَثِقْ بِعَدَمِ تَلَفُّظِهِ النَّهْيَ.
وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ صَحَّحَ جَوَازَ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فِي حُكْمٍ آخَرَ بَعْدَ اسْتِفْتَائِهِ فِي غَيْرِهِ مَعَ إيجَابِهِ الْتِزَامَ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ ابْتِدَاءً، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا جَازَ خُرُوجُ الْمُلْتَزِمِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا جَازَ خُرُوجُ الْمُلْتَزِمِ مَعَ إيجَابِ الْتِزَامِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَجُوِّزَ ذَلِكَ) نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الْحَنَفِيُّ عَنْ السَّيِّدِ بادشاه فِي شَرْحِ التَّجْرِيدِ يَجُوزُ