فَيَكُونُ رَاجِحًا (وَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْجُوحِ فَالْعَمَلُ بِهِ مُمْتَنِعٌ سَوَاءٌ كَانَ الرُّجْحَانُ قَطْعِيًّا أَمْ ظَنِّيًّا (وَقَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (إلَّا مَا رُجِّحَ ظَنًّا) فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (إذْ لَا تَرْجِيحَ بِظَنٍّ عِنْدَهُ) فَلَا يُعْمَلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِفَقْدِ الْمُرَجَّحِ (وَقَالَ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (الْبَصْرِيُّ إنْ رُجِّحَ أَحَدُهُمَا بِالظَّنِّ فَالتَّخْيِيرُ) بَيْنَهُمَا إذْ لَوْ تَعَارَضَتْ لَاجْتَمَعَ الْمُتَنَافِيَانِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْمُتَأَخِّرُ) مِنْ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ (نَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا آيَتَيْنِ كَانَا أَوْ خَبَرَيْنِ أَوْ آيَةً وَخَبَرًا بِشَرْطِ النَّسْخِ (وَإِنْ نُقِلَ التَّأْخِيرُ بِالْآحَادِ عُمِلَ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوهِ التَّرْجِيحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُرَجِّحَاتُ لَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِيمَا سَيَأْتِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ الْكِتَابِ السَّابِعِ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ قَوْلَهُ مِمَّا سَيَأْتِي شَامِلٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ آخِرَ الْبَابِ وَالْمُرَجِّحَاتُ لَا تَنْحَصِرُ وَمُثَارُهَا غَلَبَةُ الظَّنِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلًا وَمَا سَيَأْتِي إجْمَالًا وَلَا ضَرُورَةَ إلَى قَصْرِهِ عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ مَبْنَى الِاعْتِرَاضِ.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ رَاجِحًا) زَادَهُ لِحُسْنِ الدُّخُولِ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْجُوحِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَمَّا إذَا وُجِدَ قَاطِعٌ يُوَافِقُ الْمَرْجُوحَ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ لَا بِذَلِكَ الظَّنِّيِّ الرَّاجِحِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ) صَوَابُ الْعِبَارَةِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ لِيُوَافِقَ قَوْلُهُ فَلَا يُعْمَلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاجِبٌ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا مَا رَجَحَ أَيْ فَلَا يَجِبُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِلَّا لَسَاوَى مَذْهَبَ الْبَصْرِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْقَطْعِيَّاتِ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ وَلَا مَجَالَ لِلتَّرْجِيحِ فِي الْقَطْعِيَّاتِ لِأَنَّهَا وَاضِحَةٌ وَالْوَاضِحُ لَا يُسْتَوْضَحُ وَنَفْسُ الْمَذْهَبِ لَا يَتَرَجَّحُ فَإِنَّ التَّرْجِيحَ بَيَانُ مَزِيدِ وُضُوحٍ فِي مَأْخَذِ الدَّلِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ. نَعَمْ يُقَدَّمُ مَذْهَبُ مُجْتَهِدٍ عَلَى مُجْتَهِدٍ بِمَسَالِكَ نَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الْفَتْوَى وَأَمَّا الْعَقَائِدُ قَالَ الْأُسْتَاذُ لَا يَتَرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّهَا مَعَارِفُ وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْمَعَارِفِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْعَقَائِدَ يَتَرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عُلُومًا وَالثِّقَةُ بِهَا تَخْتَلِفُ وَسَبِيلُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُعْتَقِدُ انْطَبَقَ اعْتِقَادِي عَلَى اعْتِقَادِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِكَذَا وَلَمْ يَنْفُوا كَذَا وَهُمْ أَجْدَرُ بِتَشْيِيدِ الِاعْتِقَادِ فِي قَوَاعِدِ الدِّينِ اهـ.
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّعَارُضِ) قَالَ الْجَارْبُرْدِيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إنَّمَا لَا تَتَعَارَضُ الْقَطْعِيَّاتُ لِوُجُوبِ كَوْنِ مُقَدِّمَاتِ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ بَدِيهِيَّةً أَوْ مُنْتَهِيَةً إلَيْهَا وَوُجُوبِ كَوْنِ تَرْكِيبِهَا بَدِيهِيَّ الصِّحَّةِ فَإِذَا تَعَارَضَتْ اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ أَوْ ارْتَفَعَا اهـ.
وَمَعْنَى اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ إلَخْ أَنَّهُمَا لَوْ تَعَارَضَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لِامْتِنَاعِ التَّرْجِيحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَحِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ النَّقِيضَانِ إنْ لَمْ يُعْمَلْ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا أَوْ يَجْتَمِعَانِ عُمِلَ بِهِمَا فَتَلَخَّصَ أَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الظَّنِّيَّيْنِ إمَّا مَنْقُولَانِ كَنَصَّيْنِ أَوْ مَعْقُولَانِ كَقِيَاسَيْنِ أَوْ مَنْقُولٌ وَمَعْقُولٌ كَنَصٍّ وَقِيَاسٍ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُتَأَخِّرُ مِنْ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ نَاسِخٌ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّيْنِ وَأَنَّ التَّعَارُضَ فِيهِ لَيْسَ بِمَحْذُورٍ لِزَوَالِهِ بِالنَّسْخِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّيْنِ النَّقْلِيَّيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا مَعْلُومًا اهـ. زَكَرِيَّا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ إنَّ التَّأَخُّرَ يَتَبَيَّنُ بِالزَّمَانِ تَارَةً كَمَا رُوِيَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ طَلْقٍ رَوَى فِي مَسِّ الذَّكَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» وَكَانَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَرِيشٍ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسِتِّ سِنِينَ وَالْغَالِبُ أَنَّ حَدِيثَهُ مُتَأَخِّرٌ وَقَدْ يَظْهَرُ بِالْمَكَانِ فَالْمَنْقُولُ بِالْمَدِينَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَأَخُّرُهُ وَإِنْ اتَّفَقَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَوْدَاتٌ إلَى مَكَّةَ وَقَدْ يَتَبَيَّنُ بِالْأَحْوَالِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ» فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَدِيثٍ مُطْلَقٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَيْثُ قَالَ «وَإِذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ» اهـ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ النَّسْخِ) أَيْ مِنْ كَوْنِ الْمَدْلُولِ