(أَوْ الْوَقْفُ) عَنْ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَوْ التَّخْيِيرُ) بَيْنَهُمَا (فِي الْوَاجِبَاتِ) لِأَنَّهُ قَدْ يُخَيَّرُ فِيهَا كَمَا فِي خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالتَّسَاقُطُ فِي غَيْرِهَا أَقْوَالٌ أَقْرَبُهَا التَّسَاقُطُ مُطْلَقًا كَمَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ تَقَابُلِ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ لِظُهُورِ أَنْ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لِتَقَدُّمِ الْقَطْعِيِّ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَهَذَا فِي النَّقْلِيَّيْنِ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ لِانْتِفَاءِ الظَّنِّ أَيْ عِنْدَ الْقَطْعِ بِالنَّقِيضِ كَمَا تَمَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فَهُوَ فِي غَيْرِ النَّقْلِيَّيْنِ كَمَا إذَا ظَنَّ أَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ لِكَوْنِ مَرْكَبِهِ وَخَدَمِهِ بِبَابِهَا ثُمَّ شُوهِدَ خَارِجَهَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْعَلَامَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى كَوْنِهِ فِي الدَّارِ حَالَ مُشَاهَدَتِهِ خَارِجَهَا فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ النَّقْلِيَّيْنِ فَإِنَّ الظَّنِّيَّ مِنْهُمَا بَاقٍ عَلَى دَلَالَتِهِ حَالَ دَلَالَةِ الْقَطْعِيِّ وَإِنَّمَا قُدِّمَ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ
(وَإِنْ نُقِلَ عَنْ مُجْتَهِدٍ قَوْلَانِ مُتَعَاقِبَانِ) فَالْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ:) أَيْ الْمُسْتَمِرُّ وَالْمُتَقَدِّمُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاقَبَا بِأَنْ قَالَهُمَا مَعًا (فَمَا) أَيْ فَقَوْلُهُ مِنْهُمَا الْمُسْتَمِرُّ مَا (ذَكَرَ فِيهِ الْمُشْعِرَ بِتَرْجِيحِهِ) عَلَى الْآخَرِ كَقَوْلِهِ هَذَا أَشْبَهُ وَكَتَفْرِيعِهِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ (فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ) بَيْنَهُمَا (وَوَقَعَ) هَذَا التَّرَدُّدُ (لِلشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مَكَانًا) سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ كَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ (وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِهِ عِلْمًا وَدِينًا) أَمَّا عِلْمًا فَلِأَنَّ التَّرَدُّدَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ يَنْشَأُ عَنْ إمْعَانِ النَّظَرِ الدَّقِيقِ حَتَّى لَا يَقِفَ عَلَى حَالَةٍ وَأَمَّا دِينًا فَإِنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِذِكْرِهِ مَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ إنْ كَانَ قَدْ يُعَابُ فِي ذَلِكَ عَادَةً بِقُصُورِ نَظَرِهِ كَمَا عَابَهُ بِهِ بَعْضُهُمْ (ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ) الْإسْفَرايِينِيّ (مُخَالِفُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْهُمَا أَرْجَحُ مِنْ مُوَافِقِهِ) فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا خَالَفَهُ (الدَّلِيلُ وَعَكَسَ الْقَفَّالُ) فَقَالَ مُوَافِقُهُ أَرْجَحُ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِقُوَّتِهِ بِتَعَدُّدِ قَائِلِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقُوَّةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قُلْت لَا يَنْبَغِي قَصْرُ الْغَيْرِ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ بَلْ يَنْبَغِي جَعْلُهُ شَامِلًا لِأَمَارَةٍ ثَالِثَةٍ فَقُلْت لَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَمَارَةَ الثَّالِثَةَ إمَّا أَنْ تُوَافِقَ كُلًّا مِنْ الْأَمَارَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَهُوَ مَحَلٌّ لِتَعَارُضِهِمَا أَوْ تُخَالِفُ كُلًّا مِنْهُمَا فَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا وَجْهَ لِلرُّجُوعِ إلَيْهَا دُونَهُمَا أَوْ تُوَافِقَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَتَكُونَ مُرَجِّحَةً لِمَا وَافَقَتْهُ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا تَرْجِيحَ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: أَوْ الْوَقْفُ عَنْ الْعَمَلِ) أَيْ إلَى وُجُودِ مُرَجِّحٍ لِأَحَدِهِمَا فَيُعْمَلُ بِهِ بِخِلَافِ التَّسَاقُطِ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ أَنْ لَا مُسَاوَاةَ) أَيْ فِي دَلَالَتَيْهِمَا وَإِنْ كَانَتَا بَاقِيَتَيْنِ وَقَوْلُهُ لِتَقَدُّمِ الْقَطْعِيِّ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَنْسُوخِ بِالْآحَادِ قَرِينَةُ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ حُكْمُ تَقَابُلِ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: فَلَا دَلَالَةَ إلَخْ) الْحَقُّ أَنَّ دَلَالَةَ الظَّنِّيِّ بَاقِيَةٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ تَخَلُّفُ الدَّلِيلِ عَنْ الْمَدْلُولِ وَهَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ دَلَالَتِهِ إذْ حَاصِلُ الدَّلَالَةِ كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَالَةٍ يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا
(قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مُتَعَاقِبَانِ) لَيْسَ التَّعَاقُبُ بِحَسَبِ النَّقْلِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ بَلْ بِحَسَبِ صُدُورِهِمَا عَنْهُ وَقَوْلُهُ لَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاقَبَا بِأَنْ قَالَهُمَا مَعًا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَهُمَا مَعًا لِأَنَّ قَوْلَهُمَا لَفْظِيٌّ وَاللَّفْظَانِ يَسْتَحِيلُ صُدُورُهُمَا مَعًا قُلْت صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا كَذَا وَالْآخَرُ كَذَا اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: الْمُشْعِرَ) مَفْعُولُ ذَكَرَ وَبَقِيَ مَا لَوْ جَهِلَ تَعَاقُبَهُمَا أَوْ عَلِمَ وَجَعَلَ الْمُتَأَخِّرَ أَوْ نَسِيَ وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يُحْكَمَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ بِالرُّجُوعِ عَنْ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ رُجُوعَهُ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْأَوْلَى. اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: قَدْ يُعَابُ فِي ذَلِكَ عَادَةً) أَيْ لَا فِي الْوَاقِعِ فَإِنَّهُ مِنْ كَمَالِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: مُخَالِفُ أَبِي حَنِيفَةَ) الظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَأَبِي حَنِيفَةَ اهـ. عَمِيرَةُ.
(قَوْلُهُ: لِقُوَّتِهِ بِتَعَدُّدِ قَائِلِهِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْقَائِلِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ التَّرْجِيحُ بِالنَّظَرِ فَمَا اُقْتُضِيَ تَرْجِيحُهُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الْمُوَافِقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ