(فَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إنْ تَحَقَّقَ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِمَآخِذَ فِقْهِيَّةٍ مُبَيَّنَةٍ فِي مَحَالِّهَا
(مَسْأَلَةُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ) الْمُجْتَهِدِ (عَلَى صَحَابِيٍّ غَيْرِ حُجَّةٍ وِفَاقًا وَكَذَا عَلَى غَيْرِهِ) كَالتَّابِعِيِّ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ لَيْسَ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ فِي بَابِ الْأَخْبَارِ مِنْ الْمَحْصُولِ (إلَّا فِي) الْحُكْمِ (التَّعَبُّدِيِّ) فَقَوْلُهُ فِيهِ حُجَّةٌ لِظُهُورِ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِيهِ التَّوْقِيفُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى فِي لَيْلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِتَّ سَجَدَاتٍ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْت بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ تَوْقِيفًا (وَفِي تَقْلِيدِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ أَيْ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ لَهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ حُجِّيَّةِ قَوْلِهِ (قَوْلَانِ) الْمُحَقِّقُونَ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى الْمَنْعِ (لِارْتِفَاعِ الثِّقَةِ بِمَذْهَبِهِ إذْ لَمْ يُدَوَّنْ) بِخِلَافِ مَذْهَبِ كُلٍّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَا لِنَقْصِ اجْتِهَادِهِ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ (وَقِيلَ) قَوْلُهُ (حُجَّةٌ فَوْقَ الْقِيَاسِ) حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَعَلَى هَذَا (فَإِنْ اخْتَلَفَ صَحَابِيَّانِ) فِي مَسْأَلَةٍ (فَكَدَلِيلَيْنِ) قَوْلَاهُمَا فَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِمُرَجَّحٍ (وَقِيلَ) قَوْلُهُ حُجَّةٌ (دُونَهُ) أَيْ دُونَ الْقِيَاسِ فَيُقَدَّمُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.
(وَفِي تَخْصِيصِهِ الْعُمُومَ) عَلَى هَذَا (قَوْلَانِ) الْجَوَازُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُجَجِ وَالْمَنْعُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَتْرُكُونَ أَقْوَالَهُمْ إذَا سَمِعُوا الْعُمُومَ (وَقِيلَ) قَوْلُهُ حُجَّةٌ (إنْ انْتَشَرَ) مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ مُخَالِفٍ لَهُ (وَقِيلَ) قَوْلُهُ حُجَّةٌ (إنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ) لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ إلَّا لِدَلِيلٍ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَافَقَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْتَحْسِنُ كَذَا إلَخْ لِمَا عُلِمَ أَنَّ النِّزَاعَ لَيْسَ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى " فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» .
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ مِنْهُ) بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ عَدُّهُ حَسَنًا
[مَسْأَلَةُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ]
(قَوْلُهُ: الصَّحَابِيِّ أَيْ مَذْهَبِهِ (قَوْلُهُ الْمُجْتَهِدِ) ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ التَّعْلِيلَ بَعْدَهُ مَعَ الْخِلَافِ فِي حُجِّيَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ وَإِلَّا فَقَوْلُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرُ حُجَّةٍ وِفَاقًا مُطْلَقًا اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: غَيْرُ حُجَّةٍ) أَيْ عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ قَلَّدَهُ الْعَمَلُ بِهِ (قَوْلُهُ: وِفَاقًا) أَيْ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: فِي نَفْسِهِ) أَمَّا مِنْ حَيْثُ مُسْتَنَدُهُ إنْ بَيَّنَهُ فَحُجَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْحُكْمِ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ظَاهِرِيٌّ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ مَا هُوَ مَحَلٌّ لِلِاجْتِهَادِ وَمَا لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ إلَخْ) إنَّمَا عَبَّرَ بِالظَّاهِرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَاسَ زِيَادَةَ السُّجُودِ عَلَى زِيَادَةِ الرُّكُوعِ فِي الْكُسُوفِ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَوْلَانِ قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا الْجَوَازَ) قَالَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَقُولُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ ثُبُوتُ مَذْهَبِهِ جَازَ تَقْلِيدُهُ وِفَاقًا وَإِلَّا فَلَا كَذَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّرْكَشِيّ.
وَأَجَابَ بِأَنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ يَتَحَقَّقُ بِوَجْهٍ آخَرَ ذَكَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ وَهُوَ أَنَّ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِقَالِ فِي الْمَذَاهِبِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْحُجِّيَّةِ بِقِسْمَيْهِ (قَوْلُهُ: دُونَ الْقِيَاسِ) أَيْ فِي الرُّتْبَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ فَوْقَ الْقِيَاسِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَيُقَدَّمُ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ حُجَّةٌ إنْ انْتَشَرَ) فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ إنْ انْتَشَرَ وَلَمْ يُخَالِفْ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدُ صَحَابِيًّا كَمَا لَا يُقَلِّدُ عَالِمًا آخَرَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ أَيْضًا قَالَ وَعَلَيْهِ فَتَضْعِيفُ الْمُصَنِّفِ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ انْتَشَرَ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ حُجَّةٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِيمَا يَقَعُ مِنْ