فَلْيُتَأَمَّلْ (وَقِيَاسُ الْعِلَّةِ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِهَا) كَأَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ النَّبِيذُ كَالْخَمْرِ لِلْإِسْكَارِ (وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ مَا جُمِعَ فِيهِ بِلَازِمِهَا فَأَثَرِهَا فَحُكْمِهَا) الضَّمَائِرُ لِلْعِلَّةِ وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَكُلٌّ مِنْ الْآخَرِينَ مِنْهَا دُونَ مَا قَبْلَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْفَاءُ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ النَّبِيذُ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْمُشْتَدَّةِ وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْإِسْكَارِ وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ الْقَتْلُ بِمُثَقَّلٍ يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْقَتْلِ بِمُحَدَّدٍ بِجَامِعِ الْإِثْمِ وَهُوَ أَثَرُ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ وَمِثَالُ الثَّالِثِ أَنْ يُقَالَ تُقْطَعُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ كَمَا يُقْتَلُونَ بِهِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ غَيْرَ عَمْدٍ وَهُوَ حُكْمُ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْقَطْعُ مِنْهُمْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْقَتْلُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ وَحَاصِلُ ذَلِكَ اسْتِدْلَالٌ بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْجِنَايَةِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا الْعَمْدُ عَلَى الْآخَرِ (وَالْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَلْيُتَأَمَّلْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي صِدْقِهِ بِالْأَوْلَى خَفَاءً لِأَنَّ الْقَطْعَ بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَوْ بِثُبُوتِهِ مَرْجُوحًا يَتَبَادَرُ مِنْهُ الْمُسَاوَاةُ إذْ قَوْلُك لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا غَايَتُهُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْأَوْلَى فَوَجْهُ صِدْقِهِ بِالْأَوْلَى أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِمَا سَوَاءٌ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحُكْمِ أَيْ ثُبُوتِهِ لَا فِي عِلَّتِهِ فَقَدْ تَكُونُ هِيَ فِي الْفُرُوعِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِي أَصْلِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَالَهُ النَّاصِرُ وَكَتَبَ سم بِهَامِشِ الْكَمَالِ وَجْهُ الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ خَفَاءُ صِدْقِهِ عَلَى الْأَوْلَى وَلِذَلِكَ جُعِلَ صِدْقُهُ بِالْمُسَاوِي أَمْرًا مُسَلَّمًا وَجُعِلَ مَحَلُّ الِاشْتِبَاهِ صِدْقَهُ بِالْأَوْلَى حَيْثُ قَالَ يَصْدُقُ بِالْأَوْلَى كَالْمُسَاوِي مَعَ أَنَّهُ كَانَ الْمُتَبَادَرُ عَكْسَهُ فَيُقَالُ يَصْدُقُ بِالْمُسَاوِي كَالْأَوْلَى لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ أَنَّ صِدْقَهُ بِالْأَوْلَى لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ بِخِلَافِ صِدْقِهِ بِالْمُسَاوِي وَوَجْهُ خَفَاءِ الصِّدْقِ أَنَّ تَعْرِيفَهُ بِقَوْلِهِ قَطَعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ عَدَمُ صِدْقِهِ بِالْأَوْلَى لِلْقَطْعِ بِتَأْثِيرِ الْفَارِقِ فِيهِ وَلِذَا كَانَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ تَأْثِيرَ الْفَارِقِ تَارَةً يُنَافِي الْحُكْمَ وَتَارَةً يُؤَكِّدُهُ وَيُفِيدُ أَوْلَوِيَّتَهُ وَوَجْهُ الصِّدْقِ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَأْثِيرِ الْفَارِقِ نَفْيُ الْحُكْمِ لَا مُطْلَقًا فَهَذَا وَجْهُ الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ) أَيْ عَلَى الْعِلَّةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ مَا جُمِعَ فِيهِ بِلَازِمِهَا أَيْ مَا كَانَ الْجَامِعُ فِيهِ بِلَازِمِهَا (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ (قَوْلُهُ: وَحَاصِلُ ذَلِكَ) أَيْ الثَّابِت قَالَ النَّجَّارِيُّ اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ فِي الْعَمْدِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَطْعِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْخَطَأِ أَمْرٌ ثَابِتٌ مَعْلُومٌ مِنْ الشَّرْعِ مُتَقَرِّرٌ فِيهِ وَأَمَّا قَطْعُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ فَمَجْهُولٌ حُكْمُهُ مِنْ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ فَأُثْبِتَ بِمَعْلُومٍ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ بِقَطْعِهِ فَلَا يُقَالُ الِاسْتِدْلَال بِأَحَدِ الْمُوجِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ تَحَكُّمٌ (قَوْلُهُ: اسْتِدْلَالٌ بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْجِنَايَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ حَيْثُ قَالَ بِجَامِعِ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ وَتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ. اهـ. زَكَرِيَّا سم.
لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَكِنْ يَنْبَغِي التَّأَمُّلُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ لِتَظْهَرَ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فَيُحْتَاجُ أَنْ تَكُونَ لَفْظَةُ فِي مَحْمُولَةً فِيهَا عَلَى السَّبَبِيَّةِ وَلَفْظُ الْمَعْنَى مَحْمُولٌ عَلَى الْحِكْمَةِ، وَالْمَعْنَى وَالْقِيَاسُ بِسَبَبِ حِكْمَةِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ لِأَنَّ وُجُودَهَا فِيهِ مَظِنَّةُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فَالْجَمْعُ فِي هَذَا الْقِيَاسِ مَظِنَّةُ الْعِلَّةِ لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهَا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بِالْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ أُقِيمَ فِيهِ مَظِنَّةُ الْعِلَّةِ مَقَامَهَا دَلَالَةً عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْحِكْمَةُ) أَيْ حِكْمَةُ الْمَنْعِ هُنَا هِيَ إفْسَادُ الْمَاءِ بِاسْتِقْذَارِهِ أَوْ تَنَجُّسِهِ