أَنَّهُ حُجَّةٌ (بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ) لَا مِنْ ظُهُورِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ (وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ) إنَّهُ حُجَّةٌ (إنْ كَانَ فُتْيَا) لَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْفُتْيَا يُبْحَثُ فِيهَا عَادَةً فَالسُّكُوتُ عَنْهَا رِضًا بِهَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ (وَ) قَالَ (أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عَكْسَهُ) أَيْ أَنَّهُ حُجَّةٌ إنْ كَانَ حُكْمًا لِصُدُورِهِ عَادَةً بَعْدَ الْبَحْثِ مَعَ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقِهِمْ بِخِلَافِ الْفُتْيَا (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) إنَّهُ حُجَّةٌ (إنْ وَقَعَ فِيمَا يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ) كَإِرَاقَةِ دَمٍ وَاسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِخَطَرِهِ لَا يَسْكُتُ عَنْهُ إلَّا رَاضٍ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
(وَ) قَالَ (قَوْمٌ) إنَّهُ حُجَّةٌ إنْ وَقَعَ (فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ) لِأَنَّهُمْ لِشِدَّتِهِمْ فِي الدِّينِ لَا يَسْكُتُونَ عَمَّا لَا يَرْضَوْنَ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَقَدْ يَسْكُتُونَ (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) إنَّهُ حُجَّةٌ (إنْ كَانَ السَّاكِتُونَ أَقَلَّ) مِنْ الْقَائِلِينَ نَظَرًا لِلْأَكْثَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ. كَلَامُهُ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَدَلَّ فِي مَوَاضِعَ بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ
وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ فِيهَا بِهِ فَقَطْ بَلْ بِهِ مَعَ ظُهُورِ قَرِينَةِ الرِّضَا مِنْ السَّاكِتِينَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ أَغْلَبِيٌ وَإِلَّا فَسُكُوتُ الْبِكْرِ إذْنٌ عِنْدَنَا، وَقَدْ اسْتَثْنَى أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ مَسْأَلَةَ الْبِكْرِ مَعَ جُمْلَةِ مَسَائِلَ مِنْ قَاعِدَةِ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْبِكْرِ أَنَّهَا لَا تُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِنَا لَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَنْسُبْ لِلْبِكْرِ بِالصُّمَاتِ قَوْلًا، وَإِنَّمَا نَسَبْنَا إلَيْهَا رِضًا دَلَّ عَلَيْهِ الصُّمَاتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ نِسْبَةُ الرِّضَا بَلْ نَقُولُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا الرِّضَا أَيْضًا بَلْ الشَّارِعُ اكْتَفَى بِالصُّمَاتِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا حَيْثُ قَالَ إذْنُهَا صُمَاتُهَا كَمَا اكْتَفَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا، وَمِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ هَذِهِ زَوْجَتِي فَسَكَتَ وَمَاتَ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ يَرِثْهَا، وَمِنْهَا سُكُوتُ الْوَلِيِّ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ، وَقَدْ طُلِبَ فَإِنَّهُ عَضْلٌ، وَمِنْهَا السُّكُوتُ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى كَالْإِنْكَارِ، وَمِنْهَا بَاعَ بِالْعَنَاءِ وَهُوَ سَاكِتٌ جَازَ الْإِقْدَامُ عَلَى شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حُرًّا لَتَكَلَّمَ فَسُكُوتُهُ كَالتَّصْدِيقِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكُلُّ حَقٍّ عَلَى الْفَوْرِ إذَا سُكِتَ عَنْهُ مَعَ الْإِمْكَانِ بَطَلَ كَالشُّفْعَةِ وَرَدِّ الْعَيْبِ وَالْقَبُولِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ إذَا تَأَمَّلْت هَذِهِ الْفُرُوعَ عَرَفْت أَنَّا لَمْ نَنْسُبْ إلَى سَاكِتٍ قَوْلًا اهـ.
(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ) أَيْ انْقِرَاضِ السَّاكِتِينَ وَالْقَائِلِينَ (وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ فُتْيَا لَا حُكْمًا) أَيْ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي قَالَهُ الْبَعْضُ وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَاقُونَ فُتْيَا أَيْ مُفْتًى بِهِ بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْتَاءِ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحُكْمِ) أَيْ فَلَا يُبْحَثُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَلَا يُعَدُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: عَكْسَهُ) بِالنَّصْبِ مَقُولُ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَبِالرَّفْعِ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَعِنْدِي عَكْسُهُ