أَيْ فَلَا عِبْرَةَ بِاتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ وِفَاقُ غَيْرِهِمْ لَهُمْ؟ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ وِفَاقَ الْعَوَامّ) لِلْمُجْتَهِدِينَ (مُطْلَقًا) أَيْ الْمَشْهُورُ وَالْخَفِيُّ (وَقَوْمٌ فِي الْمَشْهُورِ) دُونَ الْخَفِيِّ كَدَقَائِقِ الْفِقْهِ (بِمَعْنَى إطْلَاقِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ) أَيْ لِيَصِحَّ هَذَا الْإِطْلَاقُ (لَا) بِمَعْنَى (افْتِقَارِ الْحُجَّةِ) اللَّازِمَةِ لِلْإِجْمَاعِ (إلَيْهِمْ خِلَافًا لِلْآدَمِيِّ) فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي وَيَدُلُّ لَهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمَشْهُورِ وَالْخَفِيِّ (وَ) اعْتَبَرَ (آخَرُونَ الْأُصُولِيَّ فِي الْفُرُوعِ) فَيُعْتَبَرُ وِفَاقُهُ لِلْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا لِتَوَقُّفِ اسْتِنْبَاطِهَا عَلَى الْأُصُولِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ عَامِّيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا.
(وَ) عُلِمَ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ (بِالْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِهِ (فَخَرَجَ مَنْ نَكْرَهُ) بِبِدْعَتِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِوِفَاقِهِ وَلَا خِلَافِهِ.
(وَ) عُلِمَ اخْتِصَاصُهُ (بِالْعُدُولِ إنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ رُكْنًا) فِي الِاجْتِهَادِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهِمْ (إنْ لَمْ تَكُنْ) رُكْنًا فِي الِاجْتِهَادِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ فَحَصَلَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ فِي اعْتِبَارِ وِفَاقِ الْفَاسِقِ قَوْلَيْنِ وَزَادَ عَلَيْهِمَا قَوْلَهُ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (فِي الْفَاسِقِ يُعْتَبَرُ) وِفَاقُهُ (فِي حَقِّ نَفْسِهِ) دُونَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ إجْمَاعُ الْعُدُولِ حُجَّةً عَلَيْهِ إنْ وَافَقَهُمْ وَعَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا (وَرَابِعُهَا) يُعْتَبَرُ وِفَاقُهُ (إنْ بَيَّنَ مَأْخَذَهُ) فِي مُخَالَفَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ إذْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.
(وَ) عُلِمَ (أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْكُلِّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَيْ فَلَا عِبْرَةَ بِاتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِهِمْ بِمَعْنَى أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ هُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ اتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ اُشْتُرِطَ اتِّفَاقٌ لِلْعَوَامِّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ لَا يُنَافِي اخْتِصَاصَ الْإِجْمَاعِ بِهِمْ بِهَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ وِفَاقَ الْعَوَامّ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إطْلَاقِ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلِاعْتِبَارِ مُطْلَقًا فَالْخِلَافُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَفْظِيٌّ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَوِيٌّ (قَوْلُهُ: اللَّازِمَةِ لِلْإِجْمَاعِ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لَا بِمَعْنَى افْتِقَارِ الْحُجَّةِ لَانَ الْكَلَامَ فِي الْإِجْمَاعِ، وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ الْحُجَّةَ لَمَّا كَانَتْ لَازِمَةً لِلْإِجْمَاعِ صَحَّ ذِكْرُهَا (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي) أَيْ افْتِقَارُ الْحُجَّةِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لَهُ التَّفْرِقَةُ) إذْ لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْإِطْلَاقِ مَا كَانَ لِلتَّخْصِيصِ بِالْمَشْهُورِ وَجْهٌ بَلْ الْخَفِيُّ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ إذْ الْعَامَّةُ لَا يَخْطِرُ ذَلِكَ بِبَالِهِمْ وَالتَّفْرِقَةُ تَدُلُّ أَنَّ الشَّرْطَ فِي اعْتِبَارِ الْحُجَّةِ (قَوْلُهُ: الْأُصُولِيَّ) أَيْ اتِّفَاقَ الْأُصُولِيِّ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّ الْأُصُولِيَّ الْمَاهِرَ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْفِقْهِ يَعْتَبِرُ خِلَافَهُ وَوِفَاقَهُ، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي وَصَفَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ مِنْ الْمُفْتِيِّينَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ وَوَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ الْمُفْتِيِّينَ فِيهَا فَهَذَا إذًا مِنْ الْمُقَلِّدِ وَلَا اعْتِبَارَ بِأَقْوَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ تَابِعُونَ غَيْرُ مَتْبُوعِينَ وَحَمَلَةُ الشَّرِيعَةِ مُفْتُوهَا وَالْمُقَلَّدُونَ فِيهَا اهـ.
[اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ]
(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ) لِإِضَافَةِ مُجْتَهِدٍ فِي التَّعْرِيفِ إلَى الْأُمَّةِ الْمُنْصَرِفِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى أُمَّةِ الْإِجَابَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَيْدٌ فِي الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِهِ لَا يُقَالُ إذَا كَانَ شَرْطًا فِي الْمُجْتَهِدِ كَانَ شَرْطًا فِي الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِطَ فِي الْمُجْتَهِدِ لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فَهُوَ شَرْطٌ لِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ لِتَسْمِيَةِ اسْتِنْبَاطِهِ اجْتِهَادًا أَوْ يَدُلُّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِيهَا مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ السَّابِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصِيبِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ اهـ.
زَكَرِيَّا قَالَ سم، وَقَدْ يُوَجَّهُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْإِسْلَامِ فِي الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَعْرِفَةُ مُتَعَلِّقِ الْأَحْكَامِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ كَمَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْكَافِرِ إذْ لَا يَعْتَقِدُ حَقِيقَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَكَيْفَ يَعْرِفُ مُتَعَلِّقَ الْأَحْكَامِ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصِيبِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ مِنْ تَحَقُّقِ الِاجْتِهَادِ فِي الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرَ مَا قَرَّرَهُ أَوَّلًا مِمَّا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ رُكْنًا) أَيْ شَرْطًا فَالْمُرَادُ بِالرُّكْنِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: قَوْلَيْنِ) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وِفَاقُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ وَيُعْلَمُ وِفَاقُهُ بِخَبَرِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَعَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا) أَيْ وَافَقَ أَوْ خَالَفَ.