بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ أَوْ مَوَاقِعِ الْكَلَامِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ بَدَلَ آخَرَ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْمُرَادِ مِنْهُ وَفَهْمِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ آلَةٌ لَهُ أَمَّا غَيْرُ الْعَارِفِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَغْيِيرُ اللَّفْظِ قَطْعًا وَسَوَاءٌ فِي الْجَوَازِ نَسِيَ الرَّاوِي اللَّفْظَ أَمْ لَا (وَقَالَ) الْمَاوَرْدِيُّ يَجُوزُ (إنْ نَسِيَ اللَّفْظَ) فَإِنْ لَمْ يَنْسَهُ فَلَا لِفَوَاتِ الْفَصَاحَةِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَقِيلَ:) يَجُوزُ (إنْ كَانَ مُوجِبُهُ) أَيْ الْحَدِيثِ (عِلْمًا) أَيْ اعْتِقَادًا فَإِنْ كَانَ مُوجِبُهُ عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ فِي بَعْضٍ كَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَيَجُوزُ فِي بَعْضٍ (وَقِيلَ:) يَجُوزُ (بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ، وَعَلَيْهِ الْخَطِيبُ) الْبَغْدَادِيُّ بِأَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ بَدَلَ مُرَادِفِهِ مَعَ بَقَاءِ التَّرْكِيبِ وَمَوْقِعُ الْكَلَامِ عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤْتَ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ بِأَنْ يُغَيِّرَ الْكَلَامَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُوَفِّي بِالْمَقْصُودِ (وَمَنَعَهُ) أَيْ النَّقْلَ مُطْلَقًا (ابْنُ سِيرِينَ وَثَعْلَبُ وَالرَّازِيُّ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَرَوَى) الْمَنْعَ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَذَرًا مِنْ التَّفَاوُتِ، وَإِنْ ظَنَّ النَّاقِلُ عَدَمَهُ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ كَثِيرًا مَا يَخْتَلِفُونَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُرَادِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَعْنَى الظَّاهِرِ لَا فِيمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِيمَا تُعُبِّدَ بِأَلْفَاظِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَحَلِّ الْقَطْعِيَّاتِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مَنْ أَدَّى الْمَعْنَى عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ وَعَى وَأَدَّى اهـ.
(قَوْلُهُ: مُسَاوٍ لَهُ) أَيْ لَا أَجْلَى، وَلَا أَخْفَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَجْلَى مِنْهُ وَكَانَ مُعَارِضًا بِمَا هُوَ مُسَاوٍ لَهُ قُدِّمَ هَذَا الْأَجْلَى عَلَى مُعَارِضِ الْأَصْلِ فَيَلْزَمُ تَقْدِيمُ كَلَامِ الْغَيْرِ عَلَى كَلَامِ النَّبِيِّ وَأَمَّا الْأَخْفَى؛ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْهَمَ خِلَافَ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: فِي الْمُرَادِ مِنْهُ) بِأَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مَسُوقًا لِلزَّجْرِ وَالْمَأْتِيُّ بِهِ كَذَلِكَ فَهَذَا مَرْجِعُهُ الْمَدْلُولُ اللُّغَوِيُّ وَقَوْلُهُ وَفَهْمُهُ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمَقَامَاتِ الْخَطَّابِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَهُوَ الْجَوَازُ لِمَنْ يَحْفَظُ اللَّفْظَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ دُونَ مَنْ نَسِيَهُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُوجِبُهُ عِلْمًا) ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ وَسِيلَةٌ لِلْعَمَلِ وَيُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ، وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْعِلْمَ يَكُونُ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ كَالْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُوجِبُ اعْتِقَادًا لَا يُقْدِمُ الْإِنْسَانُ لَا بِيَقِينٍ فَيَتَحَرَّى فِي الْأَلْفَاظِ الْمُغَيَّرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوجِبُهُ عِلْمًا فَرُبَّمَا يَتَسَاهَلُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ فِي بَعْضِ) وَعَدَمُ الْجَوَازِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَلَاغَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَكَانَ ضَابِطُ الْبَعْضِ الَّذِي لَا تَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْبَلَاغَةِ لَا أَنْ يَكُونَ فِي حَصْرٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهِ بِدُونِ الْبَلَاغَةِ (قَوْلُهُ: كُلُّهُنَّ فَوَاسِقُ) لِمُجَاوَزَتِهَا فِي الْإِيذَاءِ الْحَدَّ فَالْمُرَادُ الْفِسْقُ اللُّغَوِيُّ، وَقَوْلُهُ يَقْتُلْنَ جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَاقِعَةٌ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ مَا حُكْمُهُنَّ (قَوْلُهُ: مَعَ بَقَاءِ التَّرْكِيبِ) قَضِيَّتُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يُوضَعَ الْبَدَلُ فِي مَوْضُوعِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَكَأَنَّهُ زَادَ هَذَا لِيُغَايِرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ
(قَوْلُهُ: وَمَنْعُهُ) أَيْ النَّقْلِ مُطْلَقًا ظَاهِرُهُ، وَلَوْ لِلصَّحَابَةِ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّا قَوْمٌ عَرَبٌ نُرَدِّدُ الْأَحَادِيثَ فَنُقَدِّمُ وَنُؤَخِّرُ، وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ: إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ قَالَ؛ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لِكُلِّ أَحَدٍ لَمَا كُنَّا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ الْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ وَالصَّحَابَةُ اجْتَمَعَ فِيهِمْ أَنَّ الْفَصَاحَةَ وَالْبَلَاغَةَ جِبِلَّةٌ وَمُشَاهَدَةُ أَقْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالِهِ فَأَفَادَتْهُمْ الْمُشَاهَدَةُ تَعَقُّلَ الْمَعْنَى جُمْلَةً وَاسْتِبْقَاءَ الْمَقْصِدِ كُلِّهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ حَذَرًا مِنْ التَّفَاوُتِ (قَوْلُهُ: كَثِيرًا مَا يَخْتَلِفُونَ) أَيْ فَرُبَّمَا رَوَاهُ بِاعْتِبَارِ فَهْمِهِ (قَوْلُهُ: فِيمَا تُعُبِّدَ بِأَلْفَاظِهِ) أَيْ وَمَا لَيْسَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَنْقُولُ مِنْ مُصَنَّفَاتِ النَّاسِ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِمَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَغْيِيرِ ذَلِكَ التَّصْنِيفِ كَانَ جَائِزًا فَتَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِالْمَعْنَى إذَا نَقَلْنَاهُ إلَى أَجْزَائِنَا وَتَخَارِيجِنَا أَيْ بِأَسَانِيدِنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلتَّصْنِيفِ الْمُتَقَدِّمِ اهـ.
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ وَأَمَّا إصْلَاحُهُ فِي الْكِتَابِ، وَتَغْيِيرُ مَا وَقَعَ فِيهِ فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَالصَّوَابُ تَقْرِيرُهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى حَالِهِ مَعَ التَّضْبِيبِ عَلَيْهِ، وَبَيَانُ الصَّوَابِ فِي الْحَاشِيَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ لِلْمَصْلَحَةِ وَأَنْفَى لِلْمَفْسَدَةِ، وَقَدْ يَأْتِي مَنْ يَظْهَرُ لَهُ وَجْهُ صِحَّتِهِ