(كَابْنِ الْمُسَيِّبِ) وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَرْوِيَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قُبِلَ) مُرْسَلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ (وَهُوَ) حِينَئِذٍ (مُسْنَدٌ) حُكْمًا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْعَدْلِ كَذِكْرِهِ (وَإِنْ عُضِدَ مُرْسَلُ كِبَارِ التَّابِعِينَ) كَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَأَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ (ضَعِيفٌ يُرَجَّحُ) أَيْ صَالِحٌ لِلتَّرْجِيحِ (كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَوْ فِعْلِهِ) قَوْلُ (الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ فِيهِمْ صَحَابِيٌّ (أَوْ إسْنَادٌ) مِنْ مُرْسِلِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى ضَعْفٍ (أَوْ إرْسَالٍ) بِأَنْ يُرْسِلَهُ آخَرُ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ شُيُوخِ الْأَوَّلِ (أَوْ قِيَاسٍ) مَعْنًى (أَوْ انْتِشَارٍ) لَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (أَوْ عَمَلِ) أَهْلِ (الْعَصْرِ) عَلَى وَفْقِهِ (كَانَ الْمَجْمُوعُ) مِنْ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْضَمِّ إلَيْهِ الْعَاضِدِ لَهُ (حُجَّةً وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (لَا مُجَرَّدَ الْمُرْسَلِ، وَلَا) مُجَرَّدَ (الْمُنْضَمِّ) إلَيْهِ لِضَعْفِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَابْنِ الْمُسَيِّبِ)
وَأَمَّا مَرَاسِيلُ عَطَاءٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ كَانَ عَطَاءٌ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ ضَرْبٍ وَمُرْسَلَاتُ مُجَاهِدٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مُرْسَلَاتِهِ بِكَثِيرٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مُرْسَلَاتُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَصَحُّ الْمُرْسَلَاتِ وَمُرْسَلَاتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لَا بَأْسَ بِهَا وَلَيْسَ فِي الْمُرْسَلَاتِ أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلَاتِ الْحَسَنِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَإِنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مَا تُرْوَى الْمَرَاسِيلُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ وَمِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ وَأَصَحُّهَا كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ مَرَاسِيلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَأَدْرَكَ الْعَشَرَةَ وَفَقِيهُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمُفْتِيهِمْ وَأَوَّلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يَعْتَدُّ مَالِكٌ بِإِجْمَاعِهِمْ كَإِجْمَاعِ كَافَّةِ النَّاسِ، وَقَدْ تَأَمَّلَ الْأَئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ مَرَاسِيلَهُ فَوَجَدُوهَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ لَمْ تُوجَدْ فِي مَرَاسِيلِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ عُضِدَ) بِالتَّخْفِيفِ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ رَدُّهُ قَالَ زَكَرِيَّا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِكِبَارِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ غَالِبَ رِوَايَاتِهِمْ عَنْ الصَّحَابَةِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ السَّاقِطَ صَحَابِيٌّ فَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ عَاضِدٌ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقَبُولِ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي ضَبْطُ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ مِمَّنْ أَكْثَرُ رِوَايَاتِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالصَّغِيرِ بِمَنْ أَكْثَرُ رِوَايَاتِهِ عَنْ التَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحَ وَغَيْرَهُ لَمْ يُقَيِّدَا بِالْكَبِيرِ، وَهُوَ قَوِيٌّ مَعْنًى اهـ.
ثُمَّ إنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِي مُرْسَلِ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ أَمَّا مُرْسَلُهُ كَإِخْبَارِهِ عَنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ لِصِغَرِ سِنِّهِ أَوْ تَأَخُّرِ إسْلَامِهِ فَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ إنَّهُ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُحَدِّثُونَ الْمُشْتَرِطُونَ لِلصَّحِيحِ الْقَائِلُونَ بِضَعْفِ الْمُرْسَلِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُحْصَى، وَقِيلَ: إنَّهُ كَمُرْسَلِ غَيْرِهِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا أَنْ تَبِينَ الرِّوَايَةُ لَهُ عَنْ صَحَابِيٍّ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ صَالِحٌ إلَخْ) بِأَنْ لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ صَحَابِيٍّ إلَخْ) أَمْثِلَةٌ لِلضَّعِيفِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلَهُ لَيْسَا بِحُجَّةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ قَوْلُ الْأَكْثَرِ إلَخْ) قَدَّرَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ قَوْلٍ إشَارَةً إلَى عَطْفِهِ عَلَى مَدْخُولِ الْكَافِ لَا عَلَى صَحَابِيٍّ، وَلَمْ يُقَدِّرْ أَوْ فَعَلَ أَيْضًا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ عَمَلِ الْعَصْرِ فَإِنَّ الْمُرَادَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَشْمَلَ عَلَى ضَعْفٍ) ضَمِيرُهُ يَعُودُ لِلْإِسْنَادِ وَقَيَّدَ بِهِ لِيَصْلُحَ مِثَالًا لِضَعِيفٍ يُرَجَّحُ وَلِيَصِحَّ قَوْلُهُ، ثُمَّ هُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْمُسْنَدِ (قَوْلُهُ: أَوْ قِيَاسٌ مَعْنًى) ، وَهُوَ مَا فُقِدَ فِيهِ الْعِلَّةُ وَكَانَ الْجَمْعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ كَأَنْ قِيلَ: هَذَا مَقِيسٌ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ وَقُيِّدَ بِهِ لِيَصْلُحَ مِثَالًا لِضَعِيفٍ يُرَجَّحُ وَلِيَصِحَّ كَوْنُ الْمَجْمُوعِ حُجَّةً إذْ لَوْ كَانَ قِيَاسًا صَحِيحًا كَانَ دَلِيلًا لَا ضَعْفَ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ انْتِشَارٌ) أَيْ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرُوطَ الْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا كَانَ حُجَّةً فَانْدَفَعَ مَا لِلنَّاصِرِ بِأَنَّهُ إذَا انْتَشَرَ كَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا
(قَوْلُهُ: وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ إلَخْ) بِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَحْتَجَّ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُطْلَقًا وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي الْإِرْشَادِ: إنَّ مَنْ اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ إلَّا مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي إطْلَاقِ