عَنْ الرِّدَّةِ الْعَارِضَةِ لِبَعْضِ أَفْرَادِهِ وَمَنْ زَادَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُحَدِّثِينَ كَالْعِرَاقِيِّ فِي التَّعْرِيفِ وَمَاتَ مُؤْمِنًا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّنْ ذُكِرَ أَرَادَ تَعْرِيفَ مَنْ يُسَمَّى صَحَابِيًّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُسَمَّى الشَّخْصُ صَحَابِيًّا حَالَ حَيَاتِهِ، وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ مَا أَرَادَهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ التَّعْرِيفِ
(وَلَوْ ادَّعَى الْمُعَاصِرُ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الْعَدْلُ الصُّحْبَةَ) لَهُ (قُبِلَ وِفَاقًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ لِادِّعَائِهِ لِنَفْسِهِ رُتْبَةً هُوَ فِيهَا مُتَّهَمٌ كَمَا قَالَ أَنَا عَدْلٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ) أَيْ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ انْقِرَاضُ الصَّحَابَةِ فَصَحَّتْ فِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَيْ، وَلَوْ كَانَ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الِانْقِرَاضِ لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مِنْ لَمْ يَمُتْ هَذَا مَعْنَاهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: هُنَا انْقِرَاضُ الصَّحَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مَوْتِهِ
(قَوْلُهُ:، وَإِلَّا لَزِمَهُ إلَخْ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ فَلَا يَرِدُ الْمُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ (قَوْلُهُ: حَالَ حَيَاتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ صَحَابِيًّا عَلَى هَذَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ شَأْنِ التَّعْرِيفِ) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَاهِيَّةَ لَا الْأَفْرَادَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَكُونُ جَامِعًا لَهَا مَانِعًا مِنْ دُخُولِ غَيْرِهَا فِيهَا (قَوْلُهُ: الصُّحْبَةَ لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِادَّعَى يَدُلُّ لَهُ قَوْلِ الشَّارِحِ لِادِّعَائِهِ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ فَلَهُ حُكْمُهَا فَإِذَا قَالَ: إنَّ زَيْدًا اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ رَوَى اجْتِمَاعَ زَيْدٍ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُقْبَلُ رُؤْيَتُهُ بِشَرْطِهَا كَمَا لَوْ رَأَى أَوْصَافَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ) أَيْ لِتَضَمُّنِهَا التَّقْوَى الَّتِي تَنْهَى عَنْ الْمَعَاصِي وَتَمْنَعُ عَادَةً مِنْهَا فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُنَافِي مُطْلَقَ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ اهـ. سم.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهَا كِذْبَةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَذِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْكَبَائِرِ (قَوْلُهُ: لِادِّعَائِهِ إلَخْ) أَيْ وَالْعَدْلُ لَا تُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا عَدْلٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَمْ يُقْبَلْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ وَالْكَلَامُ فِي مَعْرُوفِهَا، ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَاصِرِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ وَهَذَا لَا يَخُصُّنَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ذَلِكَ وَالصَّحَابَةُ كَثِيرُونَ مِلْءُ الدُّنْيَا فَإِمَّا أَنْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ يَرُدُّوهُ وَكَانَ اللَّائِقُ بِهِ أَنْ يَذْكُرَ بَدَلَهُ الطَّرِيقَ الَّذِي تُعْرَفُ بِهِ الصَّحَابَةُ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِهِمْ فَإِنَّهُ الَّذِي يَخُصُّنَا
وَقَدْ قَالُوا طَرِيقُ ذَلِكَ إمَّا التَّوَاتُرُ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْوِهِمَا أَوْ الِاسْتِفَاضَةُ وَالشُّهْرَةُ كَعُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ أَوْ شَهَادَةُ صَحَابِيٍّ فِيهِ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمَمَةَ الدَّوْسِيِّ الَّذِي مَاتَ بِأَصْبَهَانَ مَبْطُونًا فَشَهِدَ لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِأَخْبَارِ آحَادِ التَّابِعِينَ بِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ بِنَاءً عَلَى قَبُولِ التَّزْكِيَةِ مِنْ وَاحِدٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ أَوْ قَوْلُهُ هُوَ أَنَا صَحَابِيٌّ إذَا كَانَ عَدْلًا إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ» يُرِيدُ انْخِرَامَ ذَلِكَ الْقَرْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ سَنَةَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ: آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا مُطْلَقًا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ وَأَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ قَالَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ وَقَالَ خَلِيفَةُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ إنَّهُ تَأَخَّرَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقِيلَ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَمِائَةٍ قَالَهُ مُعْصَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَجَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ قَانِعٍ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ مَنْدَهْ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ وَقَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ كُنْت بِمَكَّةَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ فَرَأَيْت جِنَازَةً فَسَأَلْت عَنْهَا فَقَالَ هَذَا أَبُو الطُّفَيْلِ وَأَمَّا كَوْنُهُ آخِرَ الصَّحَابَةِ مَوْتًا مُطْلَقًا فَجَزَمَ بِهِ مُسْلِمٌ وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ وَالْمُرِّيُّ فِي آخَرِينَ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ