وَذَلِكَ أَرْبَعُ صُوَرٍ (وَاسِطَةٌ) بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَالْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا مَعَهُ الِاعْتِقَادُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُطَابِقِ الصِّدْقُ، وَفِي غَيْرِ الْمُطَابِقِ الْكَذِبُ (وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْجَاحِظِ قَالَ (الصِّدْقُ: الْمُطَابَقَةُ) أَيْ صِدْقُ الْخَبَرِ مُطَابَقَتُهُ (لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ طَابَقَ) اعْتِقَادُهُ (الْخَارِجَ أَوْ لَا وَكَذِبُهُ عَدَمَهَا) أَيْ عَدَمَ مُطَابَقَتِهِ لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ، طَابَقَ اعْتِقَادُهُ الْخَارِجَ أَوْ لَا (فَالسَّاذَجُ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا لَيْسَ مَعَهُ اعْتِقَادٌ (وَاسِطَةٌ) بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ طَابَقَ الْخَارِجَ أَوْ لَا (وَالرَّاغِبُ) قَالَ (الصِّدْقُ فِي الْمُطَابَقَةِ الْخَارِجِيَّةِ مَعَ الِاعْتِقَادِ) لَهَا كَمَا قَالَ فِي الْجَاحِظِ (فَإِنْ فُقِدَ) أَيْ الْمُطَابَقَةُ الْخَارِجِيَّةُ وَاعْتِقَادُهَا أَيْ مَجْمُوعُهُمَا بِأَنْ فُقِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَمِنْهُ كَذِبٌ) وَهُوَ مَا فُقِدَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ صَدَقَ فَقْدُ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَذَلِكَ أَرْبَعُ صُوَرٍ) وَمَا عَدَاهُ صُورَتَانِ وَاحِدَةٌ صَدْرُ الْأُخْرَى كَذِبٌ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَالنَّظَّامُ وَإِنْ اُشْتُهِرَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْهُ كَمَا اُشْتُهِرَ الَّذِي قَبْلَهُ عَنْ الْجَاحِظِ إشَارَةً إلَى أَنَّ غَيْرَ النَّظَّامِ تَبِعَ النَّظَّامَ فِي الْقَوْلِ بِهِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ كَالْجَاحِظِ اهـ. كَمَالٌ.
وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ صَاحِبِ الْمِفْتَاحِ عِنْدَ تَعْدَادِ الْمَذَاهِبِ فِي صِدْقِ الْخَبَرِ وَكَذِبِهِ وَهَا هُنَا مَذْهَبٌ آخَرُ فِي غَايَةِ السَّخَافَةِ، وَأَوْرَدَ مَذْهَبَ النَّظَّامِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: سَخَافَةٌ فِي نَفْسِهِ لَا تُنَافِي اتِّبَاعَهُ اغْتِرَارًا بِقَائِلِهِ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالْقَوْلِ نَظَرًا لِقَائِلِهِ كَثِيرٌ وَقَدْ شَاهَدْنَا مِثْلَهُ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: الْمُطَابَقَةُ لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ) وَلَيْسَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» فَإِنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِي؛ لِأَنَّ مُطَابَقَةَ الْوَاقِعَ بِاعْتِبَارِ الِاعْتِقَادِ وَعَدَمِهَا غَيْرُ الْمُطَابَقَةِ لِلِاعْتِقَادِ وَعَدَمِهَا، وَلَكِنَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِمَذْهَبِ النَّظَّامِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مَذْهَبٌ سَخِيفٌ مَعَ لُزُومِ الْخَطَأِ فِي الِاعْتِقَادِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْخَطَأِ اللِّسَانِيِّ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ: إنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ كِنَايَةٌ عَنْ لَمْ أَشْعُرْ اهـ.
فَيَكُونُ ذَلِكَ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ النِّسْيَانِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ (قَوْلُهُ: وَالرَّاغِبُ) أَيْ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْوَاسِطَةِ
(قَوْلُهُ: الْمُطَابَقَةُ الْخَارِجِيَّةُ) أَيْ مُطَابَقَةُ النِّسْبَةِ الْكَلَامِيَّةِ لِلنِّسْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ مَعَ الِاعْتِقَادِ لَهَا أَيْ لِلْمُطَابَقَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْمُطَابَقَةُ لِلْخَارِجِ وَالِاعْتِقَادِ مَعًا فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَأَمَّا أَنْ لَا يُوصَفَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ أَصْلًا كَخَبَرِ الْمُبَرْسَمِ الَّذِي لَا قَصْدَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُوصَفَ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ مُطَابِقًا لِلْخَارِجِ دُونَ الِاعْتِقَادِ وَعَكْسِهِ فَيُوصَفُ بِالصِّدْقِ إلَى مُطَابَقَتِهِ لِأَحَدِهِمَا وَبِالْكَذِبِ بِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلْآخَرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الذَّرِيعَةِ بِأَنَّ مَا اسْتَجْمَعَ الْمُطَابَقَةَ لِلْخَارِجِ وَالِاعْتِقَادِ يُسَمَّى الصِّدْقَ التَّامَّ، وَيُقَابِلُهُ الْكَذِبُ التَّامُّ، وَهُوَ مَا اسْتَجْمَعَ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ لِلْخَارِجِ وَالِاعْتِقَادِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ مَا انْتَفَى فِيهِ الْوَصْفَانِ وَاسِطَةٌ، وَعِبَارَتُهُ أَنَّ الصِّدْقَ التَّامَّ هُوَ الْمُطَابَقَةُ لِلْخَارِجِ وَالِاعْتِقَادِ مَعًا فَإِنْ انْخَرَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ صِدْقًا تَامًّا بَلْ إمَّا أَنْ لَا يُوصَفَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ كَقَوْلِ الْمُبَرْسَمِ الَّذِي لَا قَصْدَ لَهُ: زَيْدٌ فِي الدَّارِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ: صِدْقٌ وَكَذِبٌ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ مُطَابِقًا لِلْخَارِجِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلِاعْتِقَادِ وَعَكْسُهُ كَقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِهَذَا صَادِقُ اعْتِبَارٍ بِالْمُطَابَقَةِ لِمَا فِي الْخَارِجِ وَكَذِبٌ لِمُخَالَفَةِ ضَمِيرِ الْقَائِلِ؛ وَلِهَذَا كَذَّبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اهـ.
قَالَ الْكَمَالُ: وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ لَا تُفِيدُ وَصْفَ الصِّدْقِ بِالتَّمَامِ وَلَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِالْوَاسِطَةِ نَعَمْ فِي قَوْلِهِ: أَوْ لَا
وَقِيلَ: بِالْوَاسِطَةِ ثُمَّ تَفْصِيلُهُ أَقْوَالَ الْقَائِلِينَ بِهَا يُفِيدُ أَنَّ الرَّاغِبَ قَائِلٌ بِالْوَاسِطَةِ، وَلَعَلَّهُ سَكَتَ عَنْ التَّصْرِيحِ بِالْوَاسِطَةِ عِنْدَ الرَّاغِبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَاسِطَةِ فِي الْمَذْهَبِ الَّذِي قَبْلَهُ وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ فُقِدَا مَعْنَاهُ فَإِنْ فُقِدَا مَعًا أَوْ عَلَى الْبَدَلِ بِأَنْ يُفْقَدَ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً وَقَدْ حَمَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ أَبُو زُرْعَةَ وَالْبِرْمَاوِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فَقْدُهُمَا مَعًا فَاعْتَرَضُوا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِكَلَامِ الرَّاغِبِ؛ لِأَنَّ الرَّاغِبَ إنَّمَا بَنَاهُ عَلَى