لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَلَوْ سَهْوًا) أَيْ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ أَصْلًا لَا كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا (وِفَاقًا لِلْأُسْتَاذِ) أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيِّ (وَ) أَبِي الْفَتْحِ (الشِّهْرِسْتَانِيّ) (وَ) الْقَاضِي (عِيَاضٌ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ؛ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ صُدُورِ الصَّغِيرَةِ عَنْهُمْ سَهْوًا لَا الدَّالَّةِ عَلَى الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ وَيُنَبَّهُونَ عَلَيْهَا وَتَفَرَّعَ عَلَى عِصْمَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِذَنْ لَا يُقِرُّ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ وَسُكُوتُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَبْشِرٍ عَلَى الْفِعْلِ) بِأَنْ عَلِمَ بِهِ (مُطْلَقًا.
وَقِيلَ إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيهِ الْإِنْكَارُ) بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ (وَقِيلَ إلَّا الْكَافِرَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْفُرُوعِ (وَلَوْ) كَانَ (مُنَافِقًا) لِأَنَّهُ كَافِرٌ فِي الْبَاطِنِ (وَقِيلَ إلَّا الْكَافِرَ غَيْرَ الْمُنَافِقِ) لِأَنَّ الْمُنَافِقَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي الظَّاهِرِ (دَلِيلُ الْجَوَازِ لِلْفَاعِلِ) أَيْ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْهُ لِأَنَّ سُكُوتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفِعْلِ تَقْرِيرٌ لَهُ (وَكَذَا الْغَيْرُ) أَيْ غَيْرُ الْفَاعِلِ (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ قَالَ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِخِطَابٍ حَتَّى يَعُمَّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ فَيَعُمَّ (وَفِعْلُهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (غَيْرُ مُجَرَّمٍ لِلْعِصْمَةِ وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لِلنُّدْرَةِ) بِضَمِّ النُّونِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ أَيْ لِنُدْرَةِ وُقُوعِ الْمَكْرُوهِ مِنْ التَّقِيِّ مِنْ أُمَّتِهِ فَكَيْفَ مِنْهُ وَخِلَافُ الْأَوْلَى مِثْلُ الْمَكْرُوهِ أَوْ مُدْرَجٌ فِيهِ (وَمَا كَانَ) مِنْ أَفْعَالِهِ (جِبِلِّيًّا) كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (أَوْ بَيَانًا) كَقَطْعِهِ السَّارِقَ مِنْ الْكُوعِ بَيَانًا لِمَحَلِّ الْقَطْعِ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: رُوِيَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ سَارِقًا مِنْ الْمِفْصَلِ» (أَوْ مُخَصَّصًا بِهِ) كَزِيَادَتِهِ فِي النِّكَاحِ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ (فَوَاضِحٌ) أَنَّ الْبَيَانَ دَلِيلٌ فِي حَقِّنَا، وَغَيْرُهُ لَسْنَا مُتَعَبِّدِينَ بِهِ (وَفِيمَا تَرَدَّدَ) مِنْ فِعْلِهِ (بَيْنَ الْجِبِلِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ كَالْحَجِّ رَاكِبًا تَرَدُّدٌ) نَاشِئٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ، وَالظَّاهِرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْجِبِلِّيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّشْرِيعِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، فَيُسْتَحَبُّ لَنَا (وَمَا سِوَاهُ) أَيْ سِوَى مَا ذُكِرَ فِي فِعْلِهِ (إنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ) مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ (فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ) فِي ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ عِبَادَةً كَانَ أَوْ لَا.
وَقِيلَ: مِثْلُهُ فِي الْعِبَادَةِ فَقَطْ وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا بَلْ يَكُونُ كَمَجْهُولِ الصِّفَةِ وَسَيَأْتِي (وَتُعْلَمُ) صِفَةُ فِعْلِهِ (بِنَصٍّ) عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ: هَذَا وَاجِبٌ مَثَلًا (وَتَسْوِيَةٌ بِمَعْلُومِ الْجِهَةِ) كَقَوْلِهِ هَذَا الْفِعْلِ مُسَاوٍ لِكَذَا فِي حُكْمِهِ الْمَعْلُومِ (وَوُقُوعِهِ بَيَانًا أَوْ امْتِثَالًا لَدَالٍّ عَلَى وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ) فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُبَيَّنِ أَوْ الْمُمْتَثَلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتِ الْمُقَرَّبِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعِصْمَةَ الْحِفْظُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي ذَنْبٍ وَتُقَالُ لِلْمَنْعِ مِنْهُ أَوْ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ خُلْو مَا يَمْنَعُ مِنْهَا وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهَا إنَّهَا مَلَكَةٌ نَفْسِيَّةٌ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا الْفُجُورَةَ، إنْ قُلْتَ يَلْزَمُ مُسَاوَاةُ مَنْ وَرَدَ عَدَمُ مَعْصِيَتِهِ كَصُهَيْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعِصْمَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْعِصْمَةِ بِالسَّمْعِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِمْ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَارِدَ فِي غَيْرِهِمْ خَرَجَ مَخْرَجَ الثَّنَاءِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ بِخِلَافِ الْوَارِدِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ فَالْوَارِدُ فِي غَيْرِهِمْ مَظْنُونٌ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (قَوْلُهُ: مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مُعْصَمُونَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ وَأَرَادَ عَدَمَ صُدُورِ الذَّنْبِ مِنْهُمْ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَالْمُرَادُ لَا يَصْدُرُ وَلَوْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَتَسْمِيَتُهُ ذَنْبًا مَجَازٌ إذْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ نَحْوِ تَسْلِيمِهِ سَهْوًا مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ؛ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ مِنْهَا عَمْدًا حَرَامٌ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ سَهْوًا، فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَلَامِ حَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوُقُوعِ سَهْوًا تَشْرِيعٌ، أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ أَنَّ الْمَعْصُومَ مِنْهُ السَّهْوُ الشَّيْطَانِيُّ لَا الرَّحْمَانِيُّ (قَوْلُهُ: عَلَى جَوَازِ) أَيْ: عَقْلًا (قَوْلُهُ: وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ) أَيْ فِي الْأَخْذِ كَأَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَمْرُهُ بَعْدَ أَنْ يَزِنَ لَهُ حَقَّهُ، وَفِي الْإِعْطَاءِ بِأَنْ يَنْقُصَ لَهُ تَمْرَةً مِنْ حَقِّهِ (قَوْلُهُ: وَيُنَبِّهُونَ عَلَيْهَا) أَيْ لَوْ وَقَعَتْ (قَوْلُهُ: لَا يُقِرُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا) تَعْبِيرُهُ بِأَحَدًا يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ بِأَنْ يُوَجِّهَ الْخِطَابَ إلَى وَلِيِّهِ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِمُكَلَّفًا (قَوْلُهُ: عَلَى بَاطِلٍ) الْمَأْخُوذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَاطِلَ الْمَعْصِيَةُ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى الْمَكْرُوهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلْآمِرِ بِاتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: مُسْتَبْشِرٍ) أَيْ مَسْرُورٍ (قَوْلُهُ: إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيهِ إِلَخْ) أَيْ فَلَا يَدُلُّ تَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ إِلَخْ) وَالْحَقُّ خِلَافَهُ إلَّا الْكَافِرَ أَيْ فِي غَيْرِ الْإِيمَانِ (قَوْلُهُ: دَلِيلُ الْجَوَازِ) الْأَوْلَى دَلِيلُ عَدَمِ الْحَرَجِ وَاللَّوْمُ يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَخِلَافَ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا سَبَقَ بَيَانُ قُبْحِهِ ثُمَّ وَقَعَ السُّكُوتُ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ كَمُضِيِّ كَافِرٍ قُرِّرَ بِالْجِزْيَةِ إلَى الذَّهَابِ لِكَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ فَلَا دَلَالَةَ لِلسُّكُوتِ هُنَا عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: تَقْرِيرٌ لَهُ) أَيْ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ لِلْآمِرِ بِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِخِطَابٍ حَتَّى يَعُمَّ) لِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ ظِ دُونَ الْمَعَانِي.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ إذْ هُوَ لَفْظٌ بِالْقُوَّةِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ) وَفِعْلُهُ الْمَكْرُوهَ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَاجِبٌ لِبَيَانِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ مِنْهُ) أَيْ فَكَيْفَ يَقَعُ مِنْهُ هَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَإِنْ احْتَمَلَتْ عِبَارَتُهُ: فَكَيْفَ لَا يَنْدُرُ مِنْهُ لَكِنَّهُ لَا يُنْتِجُ الْمُرَادُ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُفِيدُ أَنَّ وُقُوعَ الْمَكْرُوهِ أَشَدُّ نُدُورًا لَا مُمْتَنِعًا وَكَانَ الْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى عَدَمِ الْمَكْرُوهِ بِالْعِصْمَةِ كَمَا يُفِيدُهُ الدَّلِيلُ الْمَارُّ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَهُمْ اخْتِصَاصُ الْعِصْمَةِ بِالذُّنُوبِ وَفِعْلُهُ الْمَكْرُوهَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ قِيَامٌ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْمَشْرُوعَاتِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَالْقِيَامِ) جُعِلَ هَذَا جِبِلِّيًّا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فِي نَظَرِ الْفُقَهَاءِ، وَإِلَّا فَبَعْضُ أَتْبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصِيرُ إلَى حَالَةٍ تَصِيرُ جَمِيعُ أَفْعَالِهِ عِبَادَةً فَكَيْفَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: أَوْ بَيَانًا) أَيْ لِنَصٍّ مُجْمَلٍ أَوْ مُرَادٌ بِهِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ لِقَطْعِهِ السَّارِقَ مِنْ الْكُوعِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ التَّمْثِيلَ بِقَطْعِ السَّارِقِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ، وَهُوَ أَنَّ آيَةَ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُجْمَلِ، فَالْمُرَادُ بِالْبَيَانِ بَيَانُ مَعْنَى النَّصِّ مُجْمَلًا كَانَ أَوْ مُرَادًا بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) أَيْ وَغَيْرُ الْبَيَانِ، وَهُوَ الْجِبِلِّيُّ، وَالْمُخَصَّصُ أَمَّا فِي الْجِبِلِّيِّ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ، وَلَا نَهْيٌ عَنْ مُخَالَفَةٍ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ، وَأَمَّا فِيمَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ فَالْمُرَادُ لَسْنَا مُتَعَبِّدِينَ بِهِ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي خُصَّ بِهِ فَيَشْمَلُ عَدَمَ التَّعَبُّدِ أَصْلًا كَمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، وَالتَّعَبُّدُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ كَمَا فِي صَلَاةِ الضُّحَى، وَهُوَ فِي الْجِبِلِّيِّ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ أَفْعَالِهِ يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَكِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ: وَظَنَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّئَةٌ، وَهُوَ غَلَطٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِيمَا تَرَدَّدَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْجِبِلَّةُ تَقْتَضِيهِ فِي نَفْسِهَا لَكِنَّهُ وَقَعَ مُتَعَلِّقًا بِعِبَادَةٍ بِأَنْ وَقَعَ فِيهَا أَوْ فِي وَسِيلَتِهَا كَالرُّكُوبِ فِي الْحَجِّ، وَالذَّهَابِ إلَى الْعِيدِ فِي طَرِيقِ وَالرُّجُوعِ فِي أُخْرَى فَالرُّكُوبُ فِي نَفْسِهِ، وَمُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ مِمَّا تَقْتَضِيهِ الْجِبِلَّةُ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ لِمُجَرَّدِ الْجِبِلَّةِ أَوْ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبَةً فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ: كَالْحَجِّ رَاكِبًا) أَيْ كَالرُّكُوبِ فِي الْحَجِّ فَالْمَقْصُودُ الْحَالُ نَفْسُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ قَالَ كَالرُّكُوبِ فِي الْحَجِّ لَكَانَ أَظْهَرَ (قَوْلُهُ: فِي تَعَارُضٍ لِلْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ) قَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ كَالْجِبِلِّيِّ، قَالَ: لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي الْحَجِّ رَاكِبًا وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ يَدُلُّ لِتَرْجِيحِ الثَّانِي فَيَكُونُ لِلتَّأَسِّي قَالَ: وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ فِي ذَهَابِهِ إلَى الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ وَرُجُوعِهِ فِي آخَرَ، وَقَالَ: إنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى التَّأَسِّي فِيهِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَتُعْلَمُ صِفَةُ فِعْلِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْوُجُوبَ مَثَلًا عُلِمَ بِالدَّلِيلِ لَا بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: هَذَا وَاجِبٌ مَثَلًا) وَلَمْ يَقُلْ عَلَى (قَوْلِهِ بِمَعْلُومِ الْجِهَةِ) أَيْ الصِّفَةِ وَهِيَ الْحُكْمُ (قَوْلُهُ: فِي حُكْمِهِ الْمَعْلُومِ) أَيْ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ (قَوْلُهُ: وَوُقُوعُهُ بَيَانًا) أَيْ مُبَيِّنًا فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، وَيَكُونُ الْمُبَيَّنُ بِفَتْحِ الْيَاءِ هُوَ قَوْلُهُ لِدَالٍّ (قَوْلُهُ: أَوْ إبَاحَةٍ) سَكَتَ عَنْ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَصْدُرَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَرَّ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْفِعْلِ الصَّادِرِ عَنْهُ لَا فِي الْفِعْلِ الْمُطْلَقِ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ حُكْمُهُ) أَيْ الْمُبَيِّنِ بِالْكَسْرِ