إلَخْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِذَبْحِ ابْنِهِ ثُمَّ بَيَّنَ نَسْخَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] (وَعَلَى الْمَنْعِ) مِنْ التَّأْخِيرِ (الْمُخْتَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْخِيرُ التَّبْلِيغِ) لِمَا أُوحِيَ إلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى وَقْتِ (الْحَاجَةِ) إلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ عَنْهُ
وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] أَيْ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّبْلِيغِ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ ضَرُورَةً فَلَا فَائِدَةَ لِلْأَمْرِ بِهِ إلَّا الْفَوْرُ قُلْنَا: فَائِدَتُهُ تَأْيِيدٌ لِلْعَقْلِ بِالنَّقْلِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِي الْقُرْآنِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِتِلَاوَتِهِ وَلَمْ يُؤَخِّرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبْلِيغَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ الْحُكْمِ فَيُجِيبُ تَارَةً مِمَّا عِنْدَهُ وَيَقِفُ أُخْرَى إلَى أَنْ يَنْزِلَ الْوَحْيُ (وَ) الْمُخْتَارُ عَلَى الْمَنْعِ أَيْضًا (أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ) الْمُكَلَّفُ (الْمَوْجُودَ) عِنْدَ وُجُودِ الْمُخَصِّصِ بِالْمُخَصَّصِ وَلَا بِأَنَّهُ مُخَصَّصٌ أَيْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ بِذَاتِ الْمُخَصَّصِ، وَلَا بِوَصْفِ أَنَّهُ مُخَصَّصٌ مَعَ مُخَصَّصٍ مَعَ عِلْمِهِ بِذَاتِهِ كَأَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ لَهُ الْعَقْلَ بِأَنْ يُسَبِّبَ اللَّهُ لَهُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQشَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَلَيْسَ شَرْعُنَا، وَلَوْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ قَوْلُهُ: {إِنِّي أَرَى} [الصافات: 102] أَيْ رَأَيْت، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْوَحْيِ فَقَوْلُهُ: {أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] أَيْ أُمِرْت وَكُلِّفْت بِذَبْحِك لِقَوْلِهِ {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ نَسْخَهُ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وُجِدَ نَاسِخٌ لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّ قَوْلَهُ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] هُوَ النَّاسِخُ بَلْ النَّاسِخُ هُوَ نُزُولُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ) وَهُوَ الْإِخْلَالُ بِفَهْمٍ غَيْرِ الْمُرَادِ، وَقَوْلُهُ: عَنْهُ أَيْ عَنْ تَأْخِيرِ التَّبْلِيغِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالِانْتِفَاءِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْفَوْرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ أَوْ لِقِيَامِ قَرِينَةٍ دَلَّتْ عَلَى الْفَوْرِ (قَوْلُهُ: مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ إلَخْ) ذَكَرَهُ عَلَى لِسَانِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ، وَفِيهِ مَيْلٌ إلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا إنَّمَا يُعْلَمُ بِالشَّرْعِ، وَعَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ التَّبْلِيغِ عِلْمٌ بِالْعَقْلِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَفَائِدَتُهُ تَأَيُّدُ الْعَقْلِ بِالنَّقْلِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ إلَخْ) وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمَّا ذَكَرَا اسْتِدْلَالَ الْمَانِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: 67] وَالْأَمْرُ لِلْفَوْرِ أَجَابَا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لِلْفَوْرِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا لَكَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ اهـ. كَمَالٌ.
ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: يَقْتَضِي أَيْ مَنْعُ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِتِلَاوَتِهِ إلَخْ إنَّمَا يُنْتِجُ نَفْيَ الْوُقُوعِ لَا نَفْيَ الْجِوَازِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِمَا عُلِمَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَنْ اجْتِهَادِهِ أَوْ مُصَادَفَةِ الْوَحْيِ الْجَوَابَ (قَوْلُهُ: فَيُجِيبُ) أَيْ بِلَا مُهْلَةٍ، فَجَوَابُهُ كَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ، وَأَخَّرَ تَبْلِيغَهُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ عَلَى الْمَنْعِ) أَيْ مِنْ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ، وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فَمَنْ أَجَازَ أَجَازَ وَمَنْ لَا فَلَا، وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَارَّ فِي وُجُودِ الْبَيَانِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ، وَالْخِلَافُ هُنَا مَوْضُوعُهُ بَعْدَ الْوُجُودِ هَلْ يَجُوزُ الْعِلْمُ بِهِ أَمْ لَا
(قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَعْلَمَ) أَيْ لِكَوْنِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَمْ يُسَبِّبْ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِالْمُخَصِّصِ) أَيْ غَيْرِ الْعَقْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ أَمَّا الْمُخَصِّصُ الْعَقْلِيُّ فَلَا خِلَافَ فِيهِ حَتَّى يَشْمَلَهُ قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي أَمَّا الْعَقْلِيُّ فَاتَّفَقُوا إلَخْ وَلَكِنْ يَرُدُّ هَذَا تَمْثِيلُهُ بِقَوْلِهِ كَأَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ الْعَقْلِيُّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ عَامٌّ فِي الْمُخَصِّصِ السَّمْعِيِّ وَالْعَقْلِيِّ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ: أَمَّا الْعَقْلِيُّ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمُخَصِّصِ السَّمْعِيِّ وَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ طَرِيقَةٌ حَاكِيَةٌ لِلْخِلَافِ فِي السَّمْعِيِّ وَالْعَقْلِيِّ، وَطَرِيقَةٌ حَاكِيَةٌ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي السَّمْعِيِّ، وَالِاتِّفَاقُ فِي الْعَقْلِيِّ عَلَى الْجَوَازِ تَأَمَّلْ، وَاقْتَصِرْ عَلَى الْمُخَصِّصِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقَيَّدَ وَالْمُبَيَّنَ وَالنَّاسِخَ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ) بِكَسْرِ الصَّادِ كَالْأَوَّلِ وَضَبَطَهُ الْعِرَاقِيُّ بِفَتْحِهَا مَعَ ضَبْطِهِ الْأَوَّلِ بِكَسْرِهَا وَبَنَى عَلَيْهِ شَيْئًا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُسَبِّبَ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ بِالْوَصْفِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُخَصِّصًا