لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا فَكَانَ مُجْمَلًا، قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ رَفْعُ الْمُؤَاخِذِ، وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ التَّيْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَخِي عَاصِمٍ فِي سَنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ إنَّ اللَّهَ وَضَعَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ) لَا إجْمَالَ فِيهِ، وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (لِوُضُوحِ دَلَالَةِ الْكُلِّ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَخَالَفَ قَوْمٌ) فِي الْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَإِنَّمَا الْإِجْمَالُ فِي مِثْلِ الْقَرْءِ) مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ لِاشْتِرَاكِهِ بَيْنَهُمَا (وَالنُّورُ) صَالِحٌ لِلْعَقْلِ، وَنُورُ الشَّمْسِ لِتَشَابُهِهِمَا بِوَجْهٍ (وَالْجِسْمُ) صَالِحٌ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِتَمَاثُلِهِمَا (وَمِثْلُ الْمُخْتَارِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ) بِإِعْلَالِهِ بِقَلْبِ يَائِهِ الْمَكْسُورَةِ أَوْ الْمَفْتُوحَةِ أَلِفًا (وقَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الزَّوْجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيلُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ بِأَنَّ الْكَمَالَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ فَمَعَ انْتِفَاءِ الْكَمَالِ يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا بُدَّ إلَّا أَنْ يُوَجَّهَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّ انْتِفَاءَ الْكَمَالِ صَادِقٌ مَعَ انْتِفَاءِ بَعْضِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ اهـ. سم
(قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا) لِمَا مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ بِكَسْرِ الضَّادِ لَيْسَ عَامًّا، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ مُجْمَلًا، وَزَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ وَلَا اضْطِرَابَ؛ إذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ نَفْيِ الْعُمُومِ وَنَفْيِ الْإِجْمَالِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُتَّضِحَ الدَّلَالَةِ ابْتِدَاءً دُونَ عُمُومٍ وَدُونَ تَقَدُّمِ إجْمَالٍ، وَنَحْوُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْقَلِيلِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لِوُضُوحِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا إجْمَالَ إلَخْ مَعَ أَخْبَارِهَا
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْإِجْمَالُ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: لَا إجْمَالَ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ لَا يُقَالُ: التَّعْبِيرُ بِإِنَّمَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ، وَلَا حَصْرَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَدْفَعُهُ التَّعْبِيرُ بِمِثْلِ (قَوْلُهُ: مِثْلِ الْقَرْءِ) حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الطَّهُورِ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْحَيْضِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: وَالنُّورُ) لَيْسَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا وَلَا مَعْنَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْعَقْلِ، وَلَا لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ يَتَنَاوَلُ لَهُمَا بَلْ اسْتِعْمَالُهُ فِي النُّورِ الْمَعْهُودِ حَقِيقَةٌ، وَفِي الْعَقْلِ مَجَازٌ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ لِتَشَابُهِهِمَا بِوَجْهٍ فَإِنَّهُ أَشَارَ لِوَجْهِ الشَّبَهِ، وَهُوَ الِاهْتِدَاءُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَقْلِ مَجَازًا مَشْهُورًا، وَالْمَجَازُ الْمَشْهُورُ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَكِ (قَوْلُهُ: صَالِحٌ لِلْعَقْلِ إلَخْ) أَيْ وَصَالِحٌ لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا كَالْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ وَنُورِ الْقَمَرِ (قَوْلُهُ: وَالْجِسْمُ) وَمِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ مَا تَرَكَّبَ مِنْ جَوْهَرَيْنِ فَرْدَيْنِ فَصَاعِدًا، وَعِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ مَا تَرَكَّبَ مِنْ الْهَيُولَى وَالصُّورَةِ وَقَوْلُهُ: لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكْبَرُ جِسْمٍ مُشَاهَدٍ لَنَا، وَإِنْ وُجِدَ فِي الْوَاقِعِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا قَالَ تَعَالَى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] فَقَوْلُهُ: صَالِحٌ لِلسَّمَاءِ إلَخْ أَيْ وَلِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ
(قَوْلُهُ: لِتَمَاثُلِهِمَا) أَيْ سَعَةً وَعَدَدًا (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْمُخْتَارِ) إنَّمَا كَرَّرَ لَفْظَ " مِثْلُ " فِي هَذَا لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ لَفْظُ الْمُخْتَارِ وَنَحْوِهِ لَا خُصُوصُ لَفْظٍ مُخْتَارٍ بَلْ كُلُّ لَفْظٍ تَرَدَّدَ بَيْنَ اسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ كَمُنْقَادٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَالْإِجْمَالُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لِلِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَضْعًا فِي آخِرِهَا لَهُ عُرُوضًا، وَمَا بَيْنَهُمَا لِلِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ، وَالْإِجْمَالُ فِي جَمِيعِهَا فِي مُفْرَدٍ، وَفِيمَا يَأْتِي فِي مُرَكَّبٍ اهـ.
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النُّورَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا وَلَا مَعْنَوِيًّا مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَمَا بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ مَا يَعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، الْإِجْمَالُ فِيهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَةِ الْكَلَامِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمُفْرَدَاتِ اُعْتُبِرَ فِي الْمَوْصُولِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الزَّوْجِ) وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ؛ إذْ التَّقْدِيرُ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ أَيْ النِّسْوَةُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَيُسَلَّمُ كُلُّ الْعِوَضِ لِلزَّوْجِ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَهُوَ الزَّوْجُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَيُسَلَّمَ كُلُّ الْعِوَضِ لَهُنَّ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيُّ الْجَدِيدُ وَأَمَّا الْقَدِيمُ فَهُوَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ أَبًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُوَلِّيَةُ صَغِيرَةً وَيَعْفُونَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ الَّذِي عَلَى الْوَاوِ وَنُونُ النِّسْوَةِ فَاعِلٌ