(وَالْقَابِلُ لَهُ) أَيْ لِلتَّخْصِيصِ (حُكْمٌ ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدٍ) لَفْظًا أَوْ مَعْنًى كَالْمَفْهُومِ نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ فِي الْحَقِيقَةِ الْحُكْمُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ بِمَا سَبَقَ فَالْمُتَعَدِّدُ لَفْظًا، نَحْوُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَخُصَّ مِنْهُ الذِّمِّيُّ وَنَحْوُهُ وَمَعْنًى كَمَفْهُومِ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ وَخُصَّ مِنْهُ حَبْسُ الْوَلَدِ بِدَيْنِ الْوَالِدِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالْحَقُّ جَوَازُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (إلَى وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْعَامِّ جَمْعًا) كَمَنْ وَالْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ (وَإِلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ) ثَلَاثَةٍ أَوْ اثْنَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالْقَابِلُ لَهُ حُكْمٌ) أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ اللَّفْظِ فَصُدِقَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ وَاَلَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَيَصْدُقُ بِالْعَامِّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدٍ) أَيْ لَوْلَا التَّخْصِيصُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَعْنًى) أَيْ لَمْ يُنْطَقْ بِدَالِّهِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ نَبَّهَ بِهَذَا إلَخْ فَبَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّنْبِيهِ الثَّانِي عَلَى مَا قَرَّرَهُ لَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا أَشَارَ هُوَ إلَيْهِ آخِرَ اهـ.
(قَوْلُهُ نُبِّهَ بِهَذَا) أَيْ بِقَوْلِهِ حُكْمٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ فِي الْحَقِيقَةِ الْحُكْمُ) يَعْنِي فَالْإِخْرَاجُ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ لَا مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْمُتَعَدِّدِ نَعَمْ سَيَأْتِي فِي التَّخْصِيصِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ إسْنَادَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ أَوْلَى وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ نَحْوِ عَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً هَلْ الْإِسْنَادُ إلَى السَّبْعَةِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ لِلثَّلَاثَةِ أَوْ أَنَّ مَجْمُوعَ اللَّفْظِ يَصِيرُ دَالًّا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ) حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ لِمُتَعَدِّدٍ وَلَمْ يَقُلْ لِعَامٍّ أَوْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ وَالْقَابِلُ لَهُ حُكْمٌ فَالْمُرَادُ بِالْعَامِّ هُنَا مُطْلَقُ الْأَمْرِ الشَّامِلِ لِمُتَعَدِّدٍ لَكِنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ السَّابِقِ شَامِلًا لِمَا لَيْسَ عَامًّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَفْهُومُ كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ فَتَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَمَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ قَدْ يُطْلَقُ اصْطِلَاحًا عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا وَمَدْلُولِ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لَا أَنَّ لَهُ آحَادًا يَدْخُلُهَا التَّخْصِيصُ كَالْعَامِّ وَمَنَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَيْسَ كُلُّ إخْرَاجٍ تَخْصِيصًا اصْطِلَاحًا؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ اصْطِلَاحًا فَرْعُ الْعُمُومِ فَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً مَثَلًا لَا يُسَمَّى تَخْصِيصًا اصْطِلَاحًا اهـ. وَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَمْيَلُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَالْمُتَعَدِّدُ لَفْظًا) أَيْ فَالْمُتَعَدِّدُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ أَيْ بِالْمَنْطُوقِ وَقَوْلُهُ وَمَعْنًى أَيْ أَوْ الْمُتَعَدِّدُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى أَيْ الْمَفْهُومُ.
قَوْلُهُ كَمَفْهُومِ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] هَذَا مِثَالٌ لِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَمِثَالُ الْمُخَالَفَةِ قَصْرُ مَفْهُومِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ» عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ النَّجَسُ مَيْتَةً لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ وَفِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ تَخْصِيصُهُ بِالرَّاكِدِ فَعَلَّلَهُ شَارِحُهُ الْبُدَخْشِيُّ بِأَنَّ الْجَارِيَ وَإِنْ كَانَ دُونَهُمَا لَا يَنْجُسْ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي الْغَايَةِ الْقُصْوَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ» فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ وَكَانَتْ تَجْرِي فِي الْبَسَاتِينِ وَالْخَبَرُ الثَّانِي لِكَوْنِهِ دَالًّا بِمَنْطُوقِهِ رَجَحَ عَلَى الْأَوَّلِ الدَّالِّ بِالْمَفْهُومِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جَائِزٌ) الرَّاجِحُ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ الْحَبْسِ كَالْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ جَوَازُهُ) أَيْ جَوَازُ انْتِهَائِهِ فَالْمُتَعَدِّي بِإِلَى هُوَ الْمُضَافُ الْمَحْذُوفُ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْمَخْصُوصُ وَأَمَّا الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: أَيْ التَّخْصِيصِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَصِّصُ مُتَّصِلًا أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: جَمْعًا) أَيْ نَصًّا فِي الْجَمْعِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ التَّمْثِيلُ بِمَنْ فَلَا يُقَالُ إنَّ مَنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِيهِ لَيْسَ نَصًّا. (قَوْلُهُ: وَإِلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ) فِي مَعْنَى الْجَمْعِ اسْمُ الْجَمْعِ كَنِسَاءٍ وَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَدَخَلَ تَحْتَ النَّحْوِ اسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ وَفِي اصْطِلَاحِ التَّوْضِيحِ وَشَرْحِهِ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ الْجَمْعِ وَبَاقِي مَعْنَاهُ كَالرَّهْطِ وَالْقَوْمِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَالْمُفْرَدُ كَالرَّجُلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْجَمْعُ يُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ كَالنِّسَاءِ فِي لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ إلَى الْوَاحِدِ وَالطَّائِفَةُ كَالْمُفْرَدِ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُهَا إلَى الْوَاحِدِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ