أَيْ لَا يَقْرَبْهُ كُلٌّ مِنْكُمْ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ كَانَ وَقَوْلُهُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] أَيْ كُلَّ مُشْرِكٍ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ كَانَ وَخُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاسْتِلْزَامِ (الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ الْعَامُّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْمَذْكُورَاتِ لِانْتِفَاءِ صِيغَةِ الْعُمُومِ فِيهَا فَمَا خُصَّ بِهِ الْعَامُّ عَلَى الْأَوَّلِ مُبَيِّنٌ الْمُرَادَ بِمَا أُطْلِقَ فِيهِ عَلَى هَذَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَسْتَلْزِمْ عُمُومُ الْأَشْخَاصِ عُمُومَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يَتَحَقَّقْ عُمُومُهَا فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ إنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِلْزَامِ الْعُمُومِ لِلْعُمُومِ.
(قَوْلُهُ: وَخُصَّ مِنْهُ الْمُحْصَنُ) أُخْرِجَ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَقْرَبُهُ كُلٌّ مِنْكُمْ) وَهُوَ بَابُ عُمُومِ السَّلْبِ لَا سَلْبِ الْعُمُومِ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ صَالِحَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: عَلَى أَيْ حَالٍ) أَيْ فِي حَالِ الذِّمَّةِ أَوْ الْحِرَابَةِ وَقَوْلُهُ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ أَيْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: كَأَهْلِ الذِّمَّةِ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الْمُعَاهِدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَذْكُورَاتِ) أَيْ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ فَقَوْلُهُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُشْرِكٍ لَكِنْ لَا يَعُمُّ الْأَحْوَالَ حَتَّى يُقْتَلَ فِي حَالِ الذِّمَّةِ وَالْهُدْنَةِ وَلَا خُصُوصَ الْمَكَانِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي أَرْضِ الْهِنْدِ مَثَلًا وَلَا الزَّمَانَ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْقَتْلِ يَوْمَ الْأَحَدِ مَثَلًا كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي زُرْعَةَ الْعِرَاقِيِّ عَلَى الْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ صِيغَةِ الْعُمُومِ) لِأَنَّ الْعَامَّ فِي شَيْءٍ بِلَفْظٍ لَا يَكُونُ عَامًّا فِي غَيْرِهِ إلَّا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ مُطْلَقٌ وَقَدْ يُقَالُ إنَّا لَمْ نَدَعْ الْعُمُومَ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ فَلَا يَحْتَاجُ لِصِيغَةٍ وَيَرُدُّ عَلَى جَعْلِهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ لُزُومُ عَدَمِ الْعَمَلِ بِالْأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ لِأَنَّهُ قَدْ عُمِلَ بِهَا فِي زَمَنٍ مَا فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يُكْتَفَى فِي الْعَمَلِ بِهِ بِمَرَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحِلَّ قَوْلِهِمْ يُكْتَفَى بِالْعَمَلِ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ إذَا لَمْ يُخَالِفْ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ مُقْتَضَى صِيغَةِ الْعُمُومِ فِي غَيْرِهِ وَإِلَّا قِيلَ بِالْعُمُومِ مُحَافَظَةً عَلَى الصِّيغَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُطْلَقَ يَعُمُّ وَتَرْكُ بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ هُنَا مُخَالِفٌ لِلْعُمُومِ فِي الْأَشْخَاصِ فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ بِعَدَمِ الْعَمَلِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ لَزِمَ عَدَمُ تَنَاوُلِ الْأَشْخَاصِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ.
(قَوْلُهُ: بِمَا أَطْلَقَ فِيهِ) أَيْ بِأَحْوَالٍ أَوْ أَمْكِنَةٍ وَأَزْمِنَةٍ وَذَكَرَ الضَّمِيرَ فِي فِيهِ الرَّاجِعَ إلَى مَا رِعَايَةً لِلَفْظِهَا وَالضَّمِيرُ فِي أَطْلَقَ رَاجِعٌ لِلْعَامِّ فَكَانَ الْأَوْلَى إبْرَازُهُ لِجَرَيَانِ الصِّيغَةِ أَوْ الصِّلَةِ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ وَالْمَعْنَى مَا خُصَّ بِهِ الْعَامُّ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالْأَحْوَالِ وَمَا مَعَهَا الَّتِي أُطْلِقَ الْعَامُّ فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامَّ فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ عَامًّا فِي غَيْرِهِ إلَّا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا.
وَقَدْ سَمِعْت جَوَابَهُ لَكِنْ قِيلَ إنَّ فِي آيَةِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي غَيْرِ الْأَشْخَاصِ لَا عَامٌّ لِقَوْلِهِ {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] إذْ لَوْ كَانَ عَامًّا لَكَانَ ذَكَرَ الْعُمُومَ فِي حَيْثُ الزَّمَانِيَّةِ تَكْرَارًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مُؤَلِّفُهَا تَاجُ زَمَانِهِ وَبَهْجَةُ أَوَانِهِ الْمُحَقِّقُ الذَّكِيُّ الْأَلْمَعِيُّ حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ الْعَطَّارُ الشَّافِعِيُّ الْخَلْوَتِيُّ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إتْمَامِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ وَنَرْجُو مِنْهُ تَعَالَى الْإِعَانَةَ وَمَنْعَ الْمَوَانِعِ فِي تَمَامِ مَا نَشْرَعُ فِيهِ مِنْ الْجُزْءِ الثَّانِي فَإِنَّا نَكْتُبُ بِحَسَبِ الْإِقْرَاءِ مَعَ الْإِخْوَانِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ 1244 أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ أَحْسَنَ اللَّهُ خِتَامَهَا وَهِيَ سَنَةُ شُرُورٍ وَفِتَنٍ وَحُرُوبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَطَفَ اللَّهُ بِنَا وَبِالْمُسْلِمِينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.