أَيْ بِمَعْرِفَتِهَا تُسْتَفَادُ دَلَائِلُ الْفِقْهِ أَيْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جُمْلَةِ دَلَائِلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا وَبِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ أَيْ بِقِيَامِهَا بِالْمَرْءِ يَكُونُ مُسْتَفِيدًا لِتِلْكَ الدَّلَائِلِ أَيْ أَهْلًا لِاسْتِفَادَتِهَا بِالْمُرَجِّحَاتِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ الْمُصَنِّفِ يَدَّعِي أُمُورًا أَرْبَعَةً:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُسْتَفَادَ بِالْمُرَجِّحَاتِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ الدَّلَائِلُ الْإِجْمَالِيَّةُ.

الثَّانِي: أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مُسَمَّى الْأُصُولِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ ذِكْرَهَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا.

الرَّابِعُ: أَنَّ ذِكْرَهُ إيَّاهَا فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِيِّ كَذِكْرِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْفَقِيهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِقْهُ مِنْ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ قَالُوا الْفَقِيهُ الْمُجْتَهِدُ أَيْ ذُو الدَّرَجَةِ الْوُسْطَى عَرَبِيَّةً إلَخْ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ وَمَا قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَالِمُ بِالْأَحْكَامِ صَرَّحَ بِالْأَرْبَعَةِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ أَمَّا بِالْأَوَّلِ فَفِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إلَيْهِ.

وَأَمَّا بِالثَّانِي فَفِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ وَبِالثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا لَمْ تُذْكَرْ فِي كُتُبِهِ إلَخْ وَبِالرَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَذَكَرَهَا حِينَئِذٍ فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ بِمَعْرِفَتِهَا) لَمْ يَقُلْ ابْتِدَاءً وَبِمَعْرِفَةِ الْمُرَجِّحَاتِ مُجَارَاةً لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ إضَافَةِ الطُّرُقِ الَّتِي هِيَ الْمُرَجِّحَاتُ إلَى الِاسْتِفَادَةِ يَقْتَضِي اسْتِفَادَةَ تِلْكَ الدَّلَائِلِ بِنَفْسِ الطُّرُقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ مَعْرِفَتِهَا فَبَيَّنَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَيْ بِمَعْرِفَتِهَا وَيَجْرِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَبِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَعَ ظُهُورِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِدَلَائِلَ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ دَلَائِلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ: الْمُشَارُ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُسْتَفَادَ بِالْمُرَجِّحَاتِ لَيْسَ كُلُّ الْأَدِلَّةِ مُطْلَقًا كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ مُسْتَفَادُ دَلَائِلِ الْفِقْهِ بَلْ بَعْضُ الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ وَهُوَ مَا عَرَضَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ يَسْتَفِيدُ الْمُجْتَهِدُ بِالْمُرَجِّحَاتِ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ الْبَعْضُ الرَّاجِحُ مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ جُمْلَةِ إلَخْ) حَالٌ مِنْ " مَا " وَ " مِنْ " تَبْعِيضِيَّةٌ (وَقَوْلُهُ عِنْدَ تَعَارُضِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِبَدَلٍ أَوْ تُسْتَفَادُ وَالضَّمِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ لِمَا وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا لِوُقُوعِهَا عَلَى دَلَائِلَ وَعَلَى الثَّانِي يَرْجِعُ لِدَلَائِلِ الْفِقْهِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ " دَلَائِلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ " لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَارُضِ جَمِيعِ دَلَائِلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ لَفْظَةِ جُمْلَةِ بِمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ فَهْمُ التَّبْعِيضِ مَعَ زِيَادَتِهِ أَقْرَبُ وَبَقِيَ أَنَّ الدَّالَ عِنْدَ التَّعَارُضِ هُوَ الرَّاجِحُ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ كَوْنَهُ لَيْسَ دَلِيلًا عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ الْمُرَجِّحِ لِمُقَابِلِهِ لَا يُنَافِي تَرْجِيحَهُ عِنْدَ مُجْتَهِدٍ آخَرَ فَهُوَ دَلِيلٌ عِنْدَهُ أَوْ أَنَّهُ دَلِيلٌ لَوْلَا وُجُودُ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ الْمُعَارِضِ أَوْ الْكَلَامُ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ.

(قَوْلُهُ: بِصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِ) أَيْ بِقِيَامِهَا بِالْمَرْءِ لَمْ يَجْرِ عَلَى نَسَقِ سَابِقِهِ تَمْهِيدًا لِلِاعْتِرَاضِ الْآتِي عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصِّفَاتِ الْقِيَامُ لَا الْمَعْرِفَةُ الْمُوهِمُ لَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَقُلْ بِقِيَامِهَا بِهِ مَعَ أَخْصَرِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ قِيَامِهَا بِهِ لَا يُسَمَّى مُجْتَهِدًا فَلِذَلِكَ أَظْهَرَ وَلَمْ يَقُلْ بِقِيَامِهَا بِالْمُجْتَهِدِ فِرَارًا مِنْ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَنْ قَامَتْ بِهِ صِفَاتُ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: لِتِلْكَ الدَّلَائِلِ) أَيْ التَّفْصِيلِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: فَيَسْتَفِيدَ) مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمِرَةٌ جَوَازًا لِعِطْفِهِ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ وَهُوَ اسْتِفَادَةُ أَيْ أَهْلًا؛ لَأَنْ يَسْتَفِيدَ الْأَدِلَّةَ فَيَسْتَفِيدَ أَيْ بِالْفِعْلِ وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى يَكُونُ لِعَدَمِ تَفَرُّعِ الِاسْتِفَادَةِ بِالْفِعْلِ عَلَى كَوْنِهِ أَهْلًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015