{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] (وَبَيَانِ الْعَاقِبَةِ) {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] أَيْ عَاقِبَةُ الْجِهَادِ الْحَيَاةُ لَا الْمَوْتُ (وَالتَّقْلِيلِ وَالِاحْتِقَارِ) {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [طه: 131] أَيْ فَهُوَ قَلِيلٌ حَقِيرٌ بِخِلَافِ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاحْتِقَارِ جَعَلَهُ الْمَقْصُودَ فِي الْآيَةِ وَكِتَابَةُ الْمُصَنِّفِ التَّقْلِيلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْبُرْهَانِ بِالْعَيْنِ سَبْقُ قَلَمٍ (وَالْيَأْسِ) {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم: 7] (وَفِي الْإِرَادَةِ وَالتَّحْرِيمِ مَا) تَقَدَّمَ (فِي الْأَمْرِ) مِنْ الْخِلَافِ فَقِيلَ لَا تَدُلُّ الصِّيغَةُ عَلَى الطَّلَبِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الدَّلَالَةُ بِهَا عَلَيْهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَقِيلَ فِي الْكَرَاهَةِ وَقِيلَ فِيهِمَا وَقِيلَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا نَعْرِفُهُ.
(وَقَدْ يَكُونُ) النَّهْيُ (عَنْ وَاحِدٍ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَ) عَنْ (مُتَعَدِّدٍ جَمْعًا كَالْحَرَامِ الْمُخَيَّرِ) نَحْوُ لَا تَفْعَلْ هَذَا أَوْ ذَاكَ فَعَلَيْهِ تَرْكُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا بِفِعْلِهِمَا فَالْمُحَرَّمُ جَمْعُهُمَا لَا فِعْلُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ (وَفُرِّقَا كَالنَّعْلَيْنِ تُلْبَسَانِ أَوْ تُنْزَعَانِ وَلَا يُفْرَقُ) بَيْنَهُمَا بِلُبْسِ أَوْ نَزْعِ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا» فَيَصْدُقُ أَنَّهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ إنَّ هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عُلُوٌّ وَلَا اسْتِعْلَاءٌ.
(قَوْلُهُ: أَيْ عَاقِبَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ ذَاتِ الصِّيغَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا اقْتَرَنَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَالتَّقْلِيلِ وَالِاحْتِقَارِ) الْأَوَّلُ يَرْجِعُ لِلْكَمِّ وَالثَّانِي لِلْكَيْفِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاحْتِقَارِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا سَلَكَهُ أَنَّهُ جَعَلَ التَّقْلِيلَ وَالِاحْتِقَارَ شَيْئًا وَاحِدًا بِنَاءً عَلَى تَلَازُمِهِمَا غَالِبًا لَكِنَّ شَيْخَهُ الْبِرْمَاوِيَّ غَايَرَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ التَّقْلِيلَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَثَّلَ لَهُ بِالْآيَةِ وَجَعَلَ الِاحْتِقَارَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَنْهِيِّ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [التوبة: 66] احْتِقَارًا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ يَجْعَلُهُمَا وَاحِدًا وَيُمَثِّلُ لَهُمَا بِالْآيَةِ كالأردبيلي وَشَيْخِنَا الْبَدْرِ الزَّرْكَشِيّ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالشَّارِحُ مَثَّلَ بِ {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم: 7] لِلْيَأْسِ فَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [التوبة: 66] أَوْ يُقَالَ يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ لِكُلٍّ مَا يُنَاسِبُهُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا بِالذَّاتِ مَعَ أَنَّ الْبِرْمَاوِيَّ تَرَكَ الْيَأْسَ مِنْ أَلْفِيَّتِهِ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي شَرْحِهَا وَمَثَّلَ لَهُ بِلَا تَعْتَذِرُوا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ رَاجِعٌ لِلِاحْتِقَارِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذُ مِنْ الْبُرْهَانِ) جَزَمَ بِذَلِكَ لِمُسْتَنَدٍ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ نُقِلَ عَنْ غَيْرِ الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ: سَبْقُ قَلَمٍ) لِأَنَّ الَّذِي فِي الْبُرْهَانِ التَّقْلِيلُ بِالْقَافِ فَرَسَمَهُ هُوَ بِالْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَالْيَأْسِ) أَيْ إيقَاعُ الْيَأْسِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْإِيَاسِ لَكَانَ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْإِرَادَةِ وَالتَّحْرِيمِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا تَقَدَّمَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ أَيْ وَفِي اشْتِرَاطِ الْإِرَادَةِ بِلَفْظِ النَّهْيِ وَدَلَالَةُ النَّهْيِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَأَشَارَ بِالْأَوَّلِ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ وَاعْتَبَرَ أَبُو عَلِيٍّ وَابْنُهُ إرَادَةَ الدَّلَالَةِ بِاللَّفْظِ عَلَى الطَّلَبِ وَإِلَى الثَّانِي إلَى مَا ذَكَرَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ) أَيْ لُغَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا كَمَا مَرَّ فِي الْأَمْرِ وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ فَهِيَ حَقِيقَةُ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ لُغَةً وَفِي التَّوَعُّدِ عَلَى الْفِعْلِ شَرْعًا ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ فِي الْأَمْرِ إذْ مِنْهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ مَا تَقَدَّمَ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ
(قَوْلُهُ: جَمْعًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ أَيْ عَنْ جَمْعٍ مُتَعَدِّدٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَفُرِّقَا أَيْ وَقَدْ يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ تَفْرِيقِ الْمُتَعَدِّدِ.
(قَوْلُهُ: كَالْحَرَامِ الْمُخَيَّرِ) أَيْ الْمُخَيَّرِ فِي أَفْرَادِهِ فَيَخْرُجُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِفِعْلِهِمَا) إلَّا أَنْ تَقُومَ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ نَحْوِ {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] (قَوْلُهُ: تُلْبَسَانِ إلَخْ) اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ الْجَائِزِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُفْرَقُ بِالتَّخْفِيفِ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَجْسَامِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَيْثُ اللُّبْسُ وَعَدَمُهُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ لُبْسُ أَحَدِهِمَا أَوْ نَزْعُهُ.
قَوْلُهُ «لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ» فِيهِ اكْتِفَاءٌ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا يَنْزِعُ نَعْلًا حَتَّى يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ مُتَعَدِّدٍ إذْ النَّعْلُ الْوَاحِدَةُ لَا تَعَدُّدَ فِيهَا وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ صَارَ مُتَعَدِّدًا مَعْنًى وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ التَّفْرِيقِ (قَوْلُهُ: لِيُنْعِلْهُمَا إلَخْ) هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْأَخْذِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ