أَيْ الْمُبَادَرَةِ عَقِبَ وُرُودِهِ بِالْفِعْلِ وَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ لِلتَّكْرَارِ (وَقِيلَ لِلْفَوْرِ أَوْ الْعَزْمِ) فِي الْحَالِ عَلَى الْفِعْلِ بَعْدُ (وَقِيلَ) هُوَ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي أَيْ التَّأْخِيرِ (وَالْمُبَادِرُ) بِالْفِعْلِ (مُمْتَثِلٌ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ) امْتِثَالَهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْأَمْرُ لِلتَّرَاخِي (وَمَنْ وَقَفَ) عَنْ الِامْتِثَالِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ لَا نَعْلَمُ أَوُضِعَ الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ أَمْ لِلتَّرَاخِي وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا كَأَمْرِ الْإِيمَانِ وَأَمْرِ الْحَجِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَبَيَّنْ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِقَرِينَةٍ فَلَوْ أَوْقَعَ الْمُخَاطَبُ مَا خُوطِبَ بِهِ عَقِبَ فَهْمِ الصِّيغَةِ لَمْ يُقْطَعْ بِكَوْنِهِ مُمْتَثِلًا وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ غَرَضُ الْآمِرِ فِيهِ أَنْ يُؤَخِّرَ وَهَذَا سَرَفٌ عَظِيمٌ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ وَذَهَبَ الْمُقْتَصِدُونَ مِنْ الْوَاقِفِيَّةِ إلَى أَنَّ مَنْ بَادَرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ كَانَ مُمْتَثِلًا قَطْعًا فَإِنْ أَخَّرَ وَأَوْقَعَ الْفِعْلَ الْمُقْتَضَى فِي آخَرِ الْوَقْتِ فَلَا يُقْطَعُ بِخُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا.

وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَا شُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ حَمْلِ الصِّيغَةِ عَلَى إيقَاعِ الِامْتِثَالِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى وَقْتٍ مُقَدَّمٍ أَوْ مُؤَخَّرٍ وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ قِيَاسِ مَذْهَبِهِ مَعَ اسْتِمْسَاكِهِ بِالْوَقْفِ وَتَجْهِيلِهِ مَنْ لَا يَرَاهُ وَمِمَّا يَتَعَيَّنُ التَّنْبِيهُ لَهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِتَهْذِيبِ الْعِبَارَةِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُتَرْجَمَةٌ بِأَنَّ الصِّيغَةَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ فَهَذَا اللَّفْظُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي فَلَفْظُهُ مَدْخُولٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ حَتَّى لَوْ فُرِضَ الِامْتِثَالُ عَلَى الْبِدَارِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا مُعْتَقَدَ أَحَدٍ فَالْوَجْهُ أَنْ نُعَبِّرَ عَنْ الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ الْمَعْزِيِّ إلَى الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِأَنْ يُقَالَ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي الِامْتِثَالَ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَهَا وَقْتٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُبَادَرَةُ إلَخْ) قَالُوا إذَا اقْتَضَتْ الصِّيغَةُ إيجَابًا فَالْوَاجِبُ مَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إذْ لَوْ جَازَ تَرْكُهُ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ لَمَا كَانَ مُتَّصِفًا بِالْوُجُوبِ فِيهِ وَفِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ يُنْسَبُ إلَى بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَخَّرَ عَصَى اهـ.

(قَوْلُهُ: بِالْفِعْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبَادَرَةِ وَأَخَّرَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْفِعْلِ لَوْ قَدَّمَهُ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لِلتَّكْرَارِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّكْرَارَ يَسْتَلْزِمُ الْفَوْرِيَّةَ لِأَنَّهُ الْإِيقَاعُ فِي جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ مِنْ أَزْمِنَةِ الْعُمُرِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الزَّمَانُ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ ظَرْفٍ) لِلْفِعْلِ أَيْ يَعْزِمُ فِي الْحَالِ عَلَى أَنْ يُوقِعَ الْفِعْلَ بَعْدُ قَالَ سم وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَنَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْفِعْلِ أَوْ الْعَزْمُ عَلَيْهِ بَعْدُ فِي الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: أَيْ التَّأْخِيرُ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنْ يُرَادَ بِالتَّرَاخِي مَدُّ الْفِعْلِ وَالِاسْتِمْرَارُ فِيهِ مَعَ الْمُبَادَرَةِ إلَى التَّلَبُّسِ بِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُبَادِرُ بِالْفِعْلِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيِّدْ بِوَقْتٍ وَلَا بِفَوْرٍ وَلَا تَرَاخٍ وَإِلَّا فَهُوَ بِحَسَبِ مَا قُيِّدَ بِهِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ وَمَنْ وَقَفَ إلَخْ) أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيَّنَهُمَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِنَاءً فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُمَا الْقَوْلُ بِاقْتِضَائِهَا التَّرَاخِيَ وَالْقَوْلُ بِالْوَقْفِ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِلْمِ.

وَقَدْ عَلِمْت مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبُرْهَانِ سَابِقًا أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْوَقْفِ فِرْقَتَانِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا إحْدَاهُمَا ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّرَاخِي يُوجِبُهُ حَتَّى تَكُونَ الْمُبَادَرَةُ مَمْنُوعَةً وَأَنَّ الِامْتِثَالَ عَلَى الْبِدَارِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ لِامْتِنَاعِ التَّقْدِيمِ.

وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَقَالُوا إنَّهُ لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ إلَى ذَلِكَ وَمَعْنَى كَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لَا أَنَّهُ يَجِبُ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْوَقْفِ فَإِنَّ الْبَعْضَ مِنْهُمْ مُتَوَقِّفٌ عَنْ الْقَطْعِ بِكَوْنِ الْمُبَادِرِ مُمْتَثِلًا خَارِجًا عَنْ الْعُهْدَةِ لِجَوَازِ إرَادَةِ التَّرَاخِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ وَقَائِلُ هَذَا لَا يُجَوَّزُ فِعْلَهُ عَلَى الْفَوْرِ لَكِنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى أَمَّا الْمُبَادِرُ فَمُمْتَثِلٌ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَا فَقَالَ وَيَتَوَقَّفُ فِي الْمُبَادِرِ اهـ.

قَالَ الْكَمَالُ وَكَانَ مُعْتَمَدُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ وَمَنْ وَقَفَ هُوَ هَذَانِ النَّقْلَانِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ مَنْعَ الْمُبَادَرَةِ بِالْفِعْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ عَنْ الْقَطْعِ بِكَوْنِ الْمُبَادِرِ مُمْتَثِلًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ لَا مُقَابِلَ لَهُ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَاللَّائِقُ أَنْ يُقَالَ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ الْمُبَادَرَةَ هُنَا عَلَى الْوَقْفِ أَيْ عَنْ الْقَطْعِ بِكَوْنِ الْمُبَادِرِ مُمْتَثِلًا اهـ.

وَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَك اتِّجَاهُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْكُورَانِيُّ قَائِلًا الْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ لَا وَجْهَ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لِلتَّرَاخِي لَمْ يَقُلْ بِهِ وُجُوبًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015