نَحْوُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ، وَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] تُكَرَّرُ الطَّهَارَةُ وَالْجَلْدُ بِتَكَرُّرِ الْجَنَابَةِ وَالزِّنَا وَيُحْمَلُ الْمُعَلَّقُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَرَّةِ بِقَرِينَةٍ كَمَا فِي أَمْرِ الْحَجِّ الْمُعَلَّقِ بِالِاسْتِطَاعَةِ فَإِنْ لَمْ يُعَلَّقْ الْأَمْرُ فَلِلْمَرَّةِ وَيُحْمَلُ عَلَى التَّكْرَارِ بِقَرِينَةٍ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) عَنْ الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَلَا نَعْرِفُهُ قَوْلَانِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِقَرِينَةٍ.

وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا كَأَمْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَمْرِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَلَا نَعْرِفُهُ أَوْ هُوَ لِلتَّكْرَارِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ أَوْ الْمَرَّةُ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ الْأَوَّلُ الرَّاجِحُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالتَّكْرَارِ فِي الْمُعَلَّقِ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا ذُكِرَ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهِ وَالْحُكْمُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ عِلَّتِهِ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQتَخْرِيجَهَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِيهِ مَرَّةً قَالَ الْكَمَالُ وَلَا نَقْلَ فِيهَا فِي الْمَذْهَبِ قَالَ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْضًا مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ فَقَالَ بِعْ هَذَا بِكَذَا فَبَاعَهُ فَرُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ قَالَ بِعْهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَفَعَلَ فَفُسِخَ بِالْخِيَارِ هَلْ لَهُ الْبَيْعُ ثَانِيًا وَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ حُكْمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَفِي الرَّهْنِ لَكِنَّهُ جَزَمَ فِي الْوَكَالَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ ثَانِيًا اهـ.

ثُمَّ إنَّ الْبَيْضَاوِيَّ فِي الْمِنْهَاجِ جَزَمَ بِمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمُعَلَّقِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَيَقْتَضِيهِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الشَّرْطِ أَوْ الصِّفَةِ يُقَيِّدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّرْطَ وَتِلْكَ الصِّفَةَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَلْزَمُ تَكَرُّرُ الْحُكْمِ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ لِتَكَرُّرِ الْحُكْمِ بِتَكَرُّرِ عِلَّتِهِ.

وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالشَّرْطِ دَالًّا عَلَى تَكْرَارِهِ بِالْقِيَاسِ لَكَانَ يَلْزَمُ تَكْرَارُ الطَّلَاقِ بِتَكَرُّرِ الْقِيَامِ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الْقِيَامَ عِلَّةَ الطَّلَاقِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ تَعْلِيلُ الشَّارِعِ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَآحَادُ النَّاسِ لَا عِبْرَةَ بِتَعْلِيلِهِمْ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6] الْآيَةَ مِثَالٌ لِلتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَمَا بَعْدَهُ لِلتَّعْلِيقِ بِالصِّفَةِ.

(قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ كَمَا فِي أَمْرِ الْحَجِّ) أَيْ الْأَمْرِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] إذْ التَّقْدِيرُ مِنْ اسْتَطَاعَ فَلْيَحُجَّ أَوْ لِيَحُجَّ الْمُسْتَطِيعُ فَالتَّعْلِيقُ هَاهُنَا بِشَرْطٍ وَهُوَ تَكْرَارُ الِاسْتِطَاعَةِ وَقَضِيَّتُهُ التَّكْرَارُ بِتَكَرُّرِهَا لَكِنْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَرَّةِ وَهِيَ حَدِيثُ «أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» .

(قَوْلُهُ: فَلِلْمَرَّةِ) الْأُولَى أَنْ يَقُولَ فَلِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ فَلَيْسَ لِلتَّكْرَارِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِيمَا ذَكَرَ قَائِلٌ بِأَنَّ الْمَرَّةَ حِينَئِذٍ مَدْلُولُهُ.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِجَعْلِ هَذَا مِنْ الْوَقْفِ وَكَانَ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْوَقْفُ عَنْ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ.

(قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُمَا قَوْلَانِ أَوَّلُهُمَا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا نَعْرِفُهُ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ أَوَّلِ الْمَبْحَثِ إلَى هُنَا.

(قَوْلُهُ: فَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلَيْ الْوَقْفِ وَقَوْلُهُ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا إلَخْ هُوَ الثَّانِي مِنْ قَوْلَيْ الْوَقْفِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ لِلتَّكْرَارِ) أَيْ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ وَمَنْ مَعَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمَرَّةُ) هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الْمَرَّةُ مَدْلُولُهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ) هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الْمُصَدَّرُ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوَّلُ الرَّاجِحُ مِنْ أَدِلَّتِهِ) وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ التَّكْرَارِ خَاصَّةً أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلتَّكْرَارِ لَعَمَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَالتَّعْمِيمُ بَاطِلٌ بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ الثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْسَخَهُ كُلُّ تَكْلِيفٍ يَأْتِي بَعْدَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَامِعَهُ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ الثَّابِتَ بِالْأَوَّلِ يَزُولُ بِالِاسْتِغْرَاقِ الثَّابِتِ بِالثَّانِي كَذَلِكَ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَامِعَهُ نَحْوُ الصَّوْمِ مَعَ الصَّلَاةِ وَاعْتُرِضَ كُلٌّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ:

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ الْأَوْقَاتَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015