(وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ.
فَإِذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ لَأَنْ يَكُونَ فِيهِ تَخْصِيصٌ وَمَجَازٌ أَوْ تَخْصِيصٌ وَنَقْلٌ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّخْصِيصِ أَوْلَى أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِتَعَيُّنِ الْبَاقِي مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَعَيَّنُ بِأَنْ يَتَعَدَّدَ وَلَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِسَلَامَةِ التَّخْصِيصِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّقْلِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] .
فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ مِمَّا لَمْ يُتَلَفَّظْ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ ذَبْحِهِ وَخُصَّ مِنْهُ النَّاسِي لَهَا فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ مِمَّا لَمْ يُذْبَحْ تَعْبِيرًا عَنْ الذَّبْحِ بِمَا يُقَارِنُهُ غَالِبًا مِنْ التَّسْمِيَةِ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
فَقِيلَ هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا وَخُصَّ مِنْهُ الْفَاسِدُ لِعَدَمِ حِلِّهِ وَقِيلَ نُقِلَ شَرْعًا إلَى الْمُسْتَجْمِعِ لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ فَمَا شَكَّ فِي اسْتِجْمَاعِهِ لَهَا يَحِلُّ وَيَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ دُونَ الثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً بِاللَّازِمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ وَذَلِكَ تَرْجِيحٌ لِلْمَجَازِ عَلَى الْإِضْمَارِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّ تَرْجِيحَ الْمَجَازِ هُنَا لِخَارِجٍ وَهُوَ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهَذَا الْمَحَلِّ لَا يَطَّرِدُ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ بِمُجَرَّدِ هَذَا ابْنِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِتْقِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُجْرَى فِي قَوْلِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ نُقِلَ الرِّبَا شَرْعًا إلَى الْعَقْدِ فَيَقِلُّ فِي تَرْجِيحِ النَّقْلِ عَلَى الْإِضْمَارِ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ عَكْسُهُ رُجِّحَ لَا لِكَوْنِهِ نَقْلًا بَلْ لِمُرَجِّحٍ خَاصٍّ وَهُوَ تَنْظِيرُ الرِّبَا بِالْبَيْعِ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَإِنَّمَا يُطَابِقُهُ بِحَمْلِ الرِّبَا فِيهِ عَلَى الْعَقْدِ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا يَجْرِي فِي تَعَارُضِ التَّخْصِيصِ وَالْمَجَازِ الْآتِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] . اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَالتَّخْصِيصُ) أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ مِنْ الْعَامِّ.
(قَوْلُهُ: فَلِتَعَيُّنِ الْبَاقِي مِنْ الْعَامِّ إلَخْ) فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَامٌّ ثُمَّ أَخْرَجْنَا مِنْهُ بَعْضَ أَفْرَادِهِ بِدَلِيلٍ بَقِيَ الْبَاقِي مُتَعَيَّنُ الْإِرَادَةِ فَيُعْمَلُ بِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَجَازِيِّ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَجَازِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَعَيَّنُ) إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَجَازِ مُصَاحَبَةُ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ فَإِذَا قُلْت رَأَيْت بَحْرًا فِي الْحَمَّامِ احْتَمَلَ الرَّجُلَ الْكَرِيمَ وَالْعَالِمَ وَلَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا فَإِنَّ الْقَرِينَةَ الْمَوْجُودَةَ مَانِعَةٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَقَطْ وَهِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ قَالَ الْعِصَامُ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ الْقَرِينَةُ الَّتِي هِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِ الْمَجَازِ وَيَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَيْهِ هِيَ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ لَا الْمُعَيِّنَةُ الَّتِي بِهَا يَتَعَيَّنُ الْمَجَازِيُّ الْمُرَادُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ذِكْرُهُمَا مُحَسِّنًا لِلْكَلَامِ وَلِذَلِكَ اسْتَكْرَهَ الْبُلَغَاءُ الْمَجَازَ الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ قَرِينَةٌ مُعَيِّنَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ الْبَلِيغُ إذْهَابَ نَفْسِ السَّامِعِ إلَى كُلِّ مَعْنًى مَجَازِيٍّ مُمْكِنٍ فِي الْمَقَامِ وَتَشْوِيقَهَا إلَى التَّعْيِينِ فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ تَرْكُهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَعَدَّدَ) كَمَا إذَا قُلْت وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي وَتُرِيدُ السَّوْمَ وَالشِّرَاءَ بِالْوَكِيلِ.
(قَوْلُهُ: فَلِسَلَامَةِ التَّخْصِيصِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى) لَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ نَسْخًا لِرَفْعِهِ الْحُكْمَ عَنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ نَسْخُ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ بِرُمَّتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ النَّقْلِ.
(قَوْلُهُ: وَخُصَّ مِنْهُ النَّاسِي) أَيْ مَذْبُوحُ النَّاسِي.
(قَوْلُهُ: مِمَّا لَمْ يُذْبَحْ) أَيْ ذَبْحًا شَرْعِيًّا.
(قَوْلُهُ: بِمَا يُقَارِنُهُ) فَهُوَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ وَلَمْ تُجْعَلْ الْعَلَاقَةُ اللَّازِمِيَّةَ وَالْمَلْزُومِيَّة لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الذَّبْحُ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ وَالْأَنْسَبُ تَأْوِيلُ بَعْضِهِمْ بِمَا ذُكِرَ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْ مِمَّا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا لِيُطَابِقَ قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَرُجِّحَ الْمَجَازُ هُنَا لِمَدْرَكٍ خَاصٍّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مُرَجَّحَةً فِي الْأُصُولِ أَنْ تَكُونَ مُرَجَّحَةً فِي الْفُرُوعِ.
(قَوْلُهُ: هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا) أَيْ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الْبَيْعِ اسْتِغْرَاقِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: يَحِلُّ)