(قَوْلَانِ) :

الْأَوَّلُ: وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ يَنْظُرُ إلَى السَّوْمِ فِي الْغَنَمِ وَالثَّانِي إلَى السَّوْمِ فَقَطْ لِتَرْتِيبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ الْغَنَمِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ لَفْظُ الْغَنَمِ عَلَى وِزَانِهَا فِي مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ كَمَا سَيَأْتِي فَيُفِيدُ نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ وَأَنْ تَثْبُتَ فِيهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ يُعِيدُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ إلَى الْأَذْهَانِ.

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الصِّفَةِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (الْعِلَّةُ) نَحْوُ أَعْطِ السَّائِلَ لِحَاجَتِهِ أَيْ الْمُحْتَاجَ دُونَ غَيْرِهِ (وَالظَّرْفُ) زَمَانًا وَمَكَانًا نَحْوُ سَافِرْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَيْ لَا فِي غَيْرِهِ وَاجْلِسْ أَمَامَ فُلَانٍ أَيْ لَا وَرَاءَهُ (وَالْحَالُ) نَحْوُ أَحْسِنْ إلَى الْعَبْدِ مُطِيعًا أَيْ لَا عَاصِيًا (وَالْعَدَدُ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أَيْ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» أَيْ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَجَابَ بِجَوَابٍ أَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَيْدًا حُذِفَ لِلْعِلْمِ وَالتَّقْدِيرُ غَيْرَ سَائِمَتِهَا مِنْهَا وَلَيْسَ تَفْسِيرًا لَهُ بِحَسَبِ مَفْهُومِهِ الظَّاهِرِ وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ الْإِشْكَالِ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) مَيْلُ الشَّارِحِ إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَنْظُرُ وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ اعْتِرَاضِيَّةٌ أَيْ أَنَّ الْأَوَّلَ يَعْتَبِرُ الْمَفْهُومَ السَّوْمَ مُضَافًا لِلْغَنَمِ فَيَنْفِي الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِ سَائِمَتِهَا

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي إلَى السَّوْمِ) أَيْ يَعْتَبِرُ السَّوْمَ فَقَطْ غَيْرَ مُضَافٍ لِلْغَنَمِ فَيَنْفِي الزَّكَاةَ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ مُطْلَقًا وَيُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي السَّائِمَةِ (قَوْلُهُ: وَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ بَلْ قَالَ فِيهِ: إنَّهُ التَّحْقِيقُ قَالَ: إذَا كَانَ الْمَعْنَى بِالصِّفَةِ التَّقْيِيدَ كَانَ الْمُقَيَّدُ فِي قَوْلِنَا فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةً إنَّمَا هُوَ الْغَنَمُ.

وَفِي قَوْلِنَا: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ إنَّمَا هُوَ السَّائِمَةُ فَمَفْهُومُ الْأَوَّلِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ الَّتِي لَوْلَا التَّقْيِيدُ بِالسَّوْمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ الْغَنَمِ وَمَفْهُومُ الثَّانِي عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ كَالْبَقَرِ مَثَلًا الَّتِي لَوْلَا تَقْيِيدُ السَّائِمَةِ بِإِضَافَتِهَا إلَى الْغَنَمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ السَّائِمَةِ اهـ. فَالْمُصَنِّفُ نَاظِرٌ إلَى إضَافَةِ السَّائِمَةِ إلَى الْغَنَمِ لَا إلَى لَفْظِ الْغَنَمِ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَاعْتِرَاضُ النَّاصِرِ قَوْلُهُ عَلَى وِزَانِهَا إلَخْ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا جَلِيًّا، فَإِنَّ الْغَنِيَّ مُشْتَقٌّ يَصِحُّ وُقُوعُهُ نَعْتًا وَالْغَنَمُ بِخِلَافِهِ اهـ.

لَا وُرُودَ لَهُ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَبَرَ التَّقْيِيدَ بِالْغَنَمِ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ إلَى السَّائِمَةِ، فَإِنَّ السَّائِمَةَ بِدُونِهِ تَعُمُّ الْغَنَمَ وَغَيْرَهَا فَإِذَا ذَكَرَ الْغَنَمَ كَانَ السَّوْمُ خَاصًّا بِهَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى وِزَانِهَا مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ فَالنَّظَرُ إلَى الْقَيْدِ وَعَدَمِهِ لَا إلَى الِاشْتِقَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فَهِمَهُ النَّاصِرُ أَخْذًا بِظَاهِرِ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَلَمْ يَتَدَبَّرْ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ

(قَوْلُهُ: عَلَى وِزَانِهَا) أَيْ فِي تَقْيِيدِهَا بِالْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ أَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمِ لَا أَنَّ غَيْرَ الْمَطْلِ لَيْسَ بِظُلْمٍ فَعَلَى مَا جَوَّزَهُ الْمُصَنِّفُ يُفِيدُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» نَفْيَ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِالْإِضَافَةِ، وَإِنَّ ثَبَتَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ) تَعْلِيلٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ خِلَافَ التَّبَادُرِ نَفْسُ الْبُعْدِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) وَهُوَ لَفْظٌ مُقَيَّدٌ إلَخْ وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْعِلَّةِ بِأَنَّ الصِّفَةَ قَدْ تَكُونُ مُكَمِّلَةً لِلْعِلَّةِ لَا عِلَّةً وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ لَيْسَ لِلسَّوْمِ وَإِلَّا لَوَجَبَتْ فِي الْوُحُوشِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ وَهِيَ مَعَ السَّوْمِ أَتَمُّ مِنْهَا مَعَ الْعَلَفِ اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُحْتَاجِ) أَشَارَ إلَى التَّأْوِيلِ فِي الْعِلَّةِ حَتَّى تُدْرَجَ فِي الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا وَرَاءَهُ) أَيْ وَلَا شَيْئًا مِنْ بَقِيَّةِ جِهَاتِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ بِخَلْفِهِ لَكَانَ أَنْسَبَ؛ لِأَنَّ وَرَاءَ تَكُونُ بِمَعْنَى قُدَّامَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] أَيْ أَمَامَهُمْ

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا أَكْثَرَ) ذَكَرَ هُنَا الْأَكْثَرَ دُونَ الْأَقَلِّ وَفِيمَا بَعْدَ الْأَقَلِّ دُونَ الْأَكْثَرِ احْتِبَاكًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَثْرَةَ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ فَرُبَّمَا تُتَوَهَّمُ فِيهِ الْكَثْرَةُ وَفِي الثَّانِي الْقِلَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّنْظِيفُ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015