أَيْ الطُّرُوسِ (وَسَوَادِهَا) أَيْ سُطُورِ الطُّرُوسِ الْمَعْنَى نُصَلِّي
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَازِمَيْنِ لَهُمَا وَبِانْتِفَائِهِمَا انْتِفَاؤُهُمَا؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ وَكَذَا بَقَاءُ الْمَعَانِي وَحِفْظُهَا عَنْ الضَّيَاعِ بِالطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ فَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْقِيَامَيْنِ كَوْنُ كُلٍّ بِهِ بَقَاءُ مَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ وَحِفْظُهُ وَلَا يَقْدَحُ فِي التَّشْبِيهِ كَوْنُ الْقِيَامِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ بَيْنَ عَارِضٍ وَمَعْرُوضٍ.
وَفِي الْمُشَبَّهِ لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَتْ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ عَرْضًا لِلطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَضَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْجَوْهَرِ لِقِيَامِهِ عَلَيْهِ وَالْجَوْهَرُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ مَشْرُوطٌ بِهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْآخَرِ إلَّا أَنَّ جِهَةَ التَّوَقُّفِ مُخْتَلِفًا فَانْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الدَّوْرِ هُنَا.
(قَوْلُهُ: أَيْ الطُّرُوسُ وَأَيْ سُطُورُ الطُّرُوسِ) لَيْسَ تَفْسِيرًا لِبَيَاضِهَا وَسَوَادِهَا وَإِلَّا لَكَانَ الْمَعْنَى نُصَلِّي مُدَّةَ قِيَامِ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ مَقَامَ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ وَلَا مَعْنَى لَهُ بَلْ ذَلِكَ تَفْسِيرٌ لِضَمِيرَيْهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَا يُنَافِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرَيْنِ إلَى الْكُتُبِ فِي قَوْلِهِ الْمَعْنَى نُصَلِّي إلَخْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ وَإِنَّمَا سُطُورُ الطُّرُوسِ دُونَ الطُّرُوسِ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ لِتَحْقِيقِ مَا أَسْلَفَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ.
وَفِي الْكَمَالِ أَنَّ فِي ضَمِيرَيْ بَيَاضِهَا وَسَوَادِهَا اسْتِخْدَامًا بِرُجُوعِهِمَا لِلْعُيُونِ بِمَعْنَى الْبَاصِرَاتِ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْعُيُونُ الْمُقَيَّدَةُ بِإِضَافَتِهَا لِلْأَلْفَاظِ وَآلَاتُ الْبَصَرِ الَّتِي يَرْجِعُ إلَيْهَا الضَّمِيرُ فِي الِاسْتِخْدَامِ لَيْسَتْ مِنْ مَعَانِي عُيُونِ الْأَلْفَاظِ بَلْ مِنْ مَعَانِي لَفْظِ الْعُيُونِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ تَكَلُّفٌ. اهـ.
أَقُولُ تَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُ هَذَا التَّكَلُّفِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ فَهُوَ جَوَابُنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّرُوسِ الصُّحُفُ وَعَطْفُ السُّطُورِ عَلَيْهَا مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ لِاخْتِصَاصٍ وَذَلِكَ الْجُزْءُ بِكَوْنِهِ مَنَاطَ الْحُكْمِ مِثْلُ أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَوَجْهُهُ فَإِنَّ السُّطُورَ هِيَ الَّتِي لِلْمَعَانِي أَصَالَةً وَكَوْنُ الصُّحُفِ لَهَا إنَّمَا هُوَ بِتَبَعِيَّةِ السُّطُورِ وَالْمُرَادُ بِالْعُيُونِ الْمَعَانِي وَإِطْلَاقُ الْعُيُونِ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا آلَةً لِلِاهْتِدَاءِ وَإِضَافَةُ الْعُيُونِ إلَى الْأَلْفَاظِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عُيُونًا لِلْأَلْفَاظِ وَإِنَّمَا هِيَ عُيُونٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يَفْهَمُونَهَا فَيَهْتَدُونَ بِهَا وَهِيَ مَدْلُولَاتٌ لِلْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً وَالْمُرَادُ بِالْمَقَامِ الْقِيَامُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لَا الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَالْمَعْنَى مَا بَقِيَتْ وَدَامَتْ الصُّحُفُ سِيَّمَا سُطُورُهَا لِأَجْلِ إفَادَةِ الْمَعَانِي مِثْلُ بَقِيَّةِ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ لِلصُّحُفِ وَالسُّطُورِ وَلُزُومِهَا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي دَوَامِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا الْبَيَاضُ وَالسَّوَادُ وَلُزُومُهُمَا لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا الصُّحُفُ وَالسُّطُورُ فَأَرَادَ تَوْقِيتَ بَقَاءِ الصَّلَاةِ بَقَاءَ الصُّحُفِ وَالسُّطُورِ لِلْمَعَانِي مِثْلُ لُزُومِ الْعَرْضَيْنِ مَحَلَّهُمَا وَكَانَ الشَّارِحُ مَالَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمَعَانِي الْمُحَقَّقَةِ دُونَ الْمُخَيَّلَةِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ فِي الْمَعَانِي الْمُحَقَّقَةِ وَحَمْلَهَا عَلَيْهَا إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمُخَيَّلَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وُجُودٌ إلَّا بِمُجَرَّدِ التَّخَيُّلِ ثُمَّ هُوَ مَعْنًى لَهُ مُحَصَّلٌ فِي الْعَقْلِ لَا أَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُفْهَمُ أَصْلًا أَوْ لَا يُعْقَلُ كَمَا تُوُهِّمَ.
نَعَمْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْ بَلَاغَةِ الْكَلَامِ بَلْ عَنْ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ صَاحِبِ الذَّوْقِ السَّلِيمِ وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ لُطْفٍ يَدْعُو إلَى حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بَلْ فِيهِ بُعْدٌ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ بُعْدِ الدَّلَالَةِ يَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعِ فَلِذَلِكَ رَدُّوا عَلَى الشَّارِحِ هُنَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْعُيُونِ عَلَى الْمَعَانِي بِعَلَاقَةِ الْآلِيَّةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلَيْسَ كُلُّ آلَةٍ لِلِاهْتِدَاءِ يَحْسُنُ فِيهَا إطْلَاقُ الْعَيْنِ إذْ لَا يُقَالُ لِلْجِبَالِ وَالْمَنَارَاتِ وَأَمْثَالِهَا كَالنِّيرَانِ إنَّهَا عُيُونٌ ثُمَّ إنَّ إضَافَةَ الْعُيُونِ لِلْأَلْفَاظِ بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِنَا قَامَ مَقَامَ كَذَا أَنَّهُ اسْمُ مَكَان فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمِيمِيِّ بَعِيدٌ وَأَنَّ مُقْتَضَى مُقَابِلِ الطُّرُوسِ وَالسُّطُورِ بِالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ يُعْتَبَرُ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى صَاحِبِ الذَّوْقِ السَّلِيمِ فَتَرْكُهُ يُخْرِجُ الْمَعْنَى عَنْ الْحُسْنِ وَإِنْ عَطَفَ السُّطُورَ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ بُعْدٍ وَإِنْ قَامَ الطُّرُوسُ وَالسُّطُورُ لِلْمَعَانِي بِمَعْنَى الْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَقِيَامُ الْعَرْضِ بِالْمَحَلِّ بِمَعْنَى اللُّزُومِ فَاعْتِبَارُ التَّشْبِيهِ لَا يَخْلُو عَنْ الْبُعْدِ فَتَرْجِيحُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ تُرِكَ لِسُلُوكِ الْجَادَّةِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالطُّرُوسِ بَيَاضَ الْوَرَقِ فَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ