(بملك مستأنف؛ كبيع) بأن اشتراه المشتري الأول ممن باعه له (أو هبة أو إرث) فله الرد في الجميع إن لم يتغير. فإن تغير فله حكمه الآتي.
ولما قدم أن الفوات بالخروج من اليد يمنع الرد ويتعين الرجوع بالأرش إن قام المشتري به وكان ذلك فيما خرج من يد مشتريه بلا عوض، شرع في بيان ما لو خرج من يده بعوض فقال: (ولو باعه) مشتريه (لبائعه بمثل الثمن) الأول بأن اشتراه بعشرة وباعه لبائعه بعشرة، وسواء دلس البائع الأول بأن كتم العيب أم لا (أو بأكثر) من الثمن الأول (وقد دلس) الواو للحال: أي والحال أن بائعه الأول قد دلس بكتم العيب؛ كما لو باعه له باثني عشر (فلا رجوع) لأحد منهما على صاحبه بأن المبيع رد لربه. ففيما إذا تساوى الثمنان فالأمر واضح، وفيما إذا اشتراه بائعه بأكثر فهو مدلس فلا رجوع بالزائد، وليس للمشتري منه أرش لأخذ العوض منه أكثر مما خرج من يده.
(وإلا) بأن لم يكن البائع الأول مدلساً (رد) أي كان له رده على المشتري الأول بذلك العيب ويأخذ منه الاثني عشر (ثم رد عليه): أي على البائع الأول فيأخذ منه العشرة، فتقع المقاصة في عشرة يبقى للبائع الأول درهمان على المشتري منه.
(و) لو باعه لبائعه (بأقل) كما لو باعه بثمانية (كمل) البائع الأول لمشتريه منه بقية الثمن، فيدفع له درهمين دلس أم لا. وأما لو باعه لأجنبي أي لغير بائعه فلا رجوع على البائع مطلقاً بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، لأنه إن باعه بعد اطلاعه على العيب فهو رضا منه به، وإن باعه قبل اطلاعه عليه بمثل الثمن أو أكثر فواضح، وإن باعه بأقل فلحوالة الأسواق لا للعيب قاله ابن القاسم، وقال ابن المواز: إلا أن يكون النقص في الثمن من أجل العيب، مثل أن يبيعه بالعيب ظاناً أنه حدث عنده، أو باعه وكيله ظاناً ذلك، فيرجع على بائعه بما نقصه من الثمن أو قيمته. قال ابن رشد وابن يونس وعياض: قول ابن المواز تفسير لابن القاسم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: [بملك مستأنف]: أي كما لو اشترى سلعة من إنسان ثم باعها لآخر قبل اطلاعه على العيب القديم ثم إنها عادت للمشتري بملك مستأنف، فله ردها على البائع الأول بالعيب القديم. وظاهره: ولو كان ذلك المشتري الأول اشتراه ممن اشترى منه عالماً بالعيب، وهو كذلك، لأن من جهته أن يقول: اشتريته لأرده على بائعه. وظاهره: ولو اشتراه بعد تعدد الشراء، وهو قول ابن القاسم. وقال أشهب: له أن يرد على من اشترى منه وله أن يرد على بائعه الأول كما قال ابن القاسم، فإن رد على بائعه الأول أخذ منه الثمن الأول. وإن رد على بائعه الأخير أخذ منه الثمن ويخير ذلك البائع. إما أن يتماسك أو يرد على بائعه وهكذا بائعه إلى أن يحصل تماسك أو رد على البائع الأول.
قوله: [أو هبة أو إرث]: أشار بهذا إلى أنه لا فرق بين أن يعود له بمعاوضة أو غيرها وبين ما عاد له اختياراً أو جبراً.
قوله: [ولو باعه مشتريه لبائعه]: حاصله أن صور بيعه للبائع اثنتا عشرة؛ لأنه: إما أن يبيعه بمثل الثمن الأول أو بأقل أو بأكثر، وفي كل: إما أن يكون مدلساً أم لا، وفي كل: إما أن يبيعه قبل الاطلاع على العيب أم لا؛ أفاد المصنف أحكام صور ست وهي التي قبل الاطلاع. وأما لو باعه بعد الاطلاع ففيها ست صور أيضاً لم يفدها المصنف. وحاصلها: أنه إذا باعه له بعد الاطلاع على العيب فالبيع لازم لبائعه بمثل الثمن الأول أو أقل أو أكثر وللمشتري الثاني رده عليه بالعيب، لأنه لما اطلع المشتري الأول عليه قبل البيع فكأنه حدث عنده وسواء دلس في بيعه الأول أم لا.
قوله: [فتقع المقاصة] إلخ: لا تعقل. مقاصة بعد هذا التصوير؛ لأنه إذا كان البائع يرجع فيأخذ الثمن الذي هو اثنا عشر ثم إذا أراد المشتري الرد يرد له ويأخذ منه عشرة فأين تعقل المقاصة أو رجوع بأزيد.
قوله: [دلس أم لا]: قال ابن عبد السلام في تكميله له: إذا لم يكن مدلساً نظر لإمكان أن يكون النقص من حوالة سوق كما هو حجة ابن القاسم فيما إذا باعه لأجنبي بأقل.
قوله: [وأما لو باعه لأجنبي]: الفرق بين البيع لأجنبي وللبائع كما قال أبو علي المسناوي أنه لا ضرر على البائع إذا كان البيع له لرجوع سلعته إليه فيرد لذلك كله، بخلاف ما لو باع المشتري لأجنبي فإنه لو رجع المشتري على بائعه بكمالة الثمن لتضرر. ومن حجته أن يقول: النقص إنما هو لحوالة السوق لا للعيب، فلذا لا يكمل له كذا في (بن).
قوله: [وقال ابن المواز] إلخ: حاصل المسألة أن المشتري إذا باع ما اشتراه لأجنبي والحال أنه معيب بعيب قديم فلا رجوع له على بائعه بأرش العيب سواء باعه بمثل الثمن الذي اشتراه به أو أقل أو أكثر وسواء باعه بعد الاطلاع على العيب أو قبله. وهذا التعميم قول ابن القاسم. وقال ابن المواز: إن باعه بمثل ما اشتراه به أو بأكثر فلا رجوع له، وإن باعه بأقل فإن كانت تلك القلة بحوالة الأسواق فكذلك، وإن علم أنها من أجل العيب - كأن يبيعه هو أو وكيله ظاناً أن العيب حدث عنده - فإنه يرجع على بائعه بالأقل مما نقصه من الثمن أو قيمته: وجعل ابن رشد وابن يونس وعياض، قول ابن المواز تفسيراً لقول ابن القاسم