وَبَيَّنَهُ (مِنْ الْأَوَامِرِ) بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ (وَالنَّوَاهِي) بِاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ (الْمُرَاقِبُ لَهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ) الظَّاهِرِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ بِإِجْرَائِهَا عَلَى قَوَانِينِ الشَّرْعِ، فَيُثْمِرُ لَهُ الْيَقِينُ الْقَلْبِيُّ فَيَكُونُ مِنْ الْمُتَّقِينَ الْمَمْدُوحِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَصِيَّتِهِ لِأَصْحَابِهِ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131]
(وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ) مَحَلُّ مُرُورٍ تُوَصِّلُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِدَارِ الْقَرَارِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَالْغَرِيبُ لَا مَقْصِدَ لَهُ إلَّا مَحَلُّ وَطَنِهِ وَكَذَلِكَ عَابِرُ السَّبِيلِ الْمَارُّ بِالطَّرِيقِ لَا يَعْتَنِي إلَّا بِمَا يُعِينُهُ عَلَى السَّفَرِ فَلَيْسَتْ دَارَ إقَامَةٍ إذْ دَارُ الْإِقَامَةِ الْبَاقِيَةِ هِيَ الْآخِرَةُ كَمَا قَالَ (لَا دَارَ قَرَارٍ) قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ.
{وَأَنَّ مَرَدَّنَا} [غافر: 43] مَرْجِعَنَا {إِلَى اللَّهِ} [غافر: 43] فَيُكْرِمُنَا بِالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: [إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] : أَيْ أَكْثَرُكُمْ لَهُ تَقْوَى وَتَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» فَنَبِيُّنَا أَتْقَى الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحِينَئِذٍ فَالْآيَةُ شَاهِدَةٌ بِأَنَّهُ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
قَوْلُهُ: [مَحَلُّ مُرُورٍ] : تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى مَمَرٍّ.
قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِ مَا قَالَ] : لَا مَعْنَى لَهُ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ.
قَوْلُهُ: [الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ] : تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَيِّ التَّفْسِيرِيَّةِ.
قَوْلُهُ: [وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ] : أَيْ مَصْحُوبًا بِعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْأَعْمَالَ وَحْدَهُمَا لَا يَكْفِيَانِ الْعَبْدَ فِي النَّجَاةِ بِدُونِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ»