وبلاغتها التي أعربت بها عن القرائح السليمة والركن البديع إلى دواية اللسان، وغراية اللسن حيث أوجزت اللفظ، وأشبعت المعنى وقصرت العبارة، وأطالت المغزى، ولوحت فاعرقت في التصريح، وكنت فاغنت عن الإفصاح، ثم إنّ الظاهر في توجيه عدم التغيير ما ذكروه هنا وإن اسنظهروا خلافه إلا أنّ المراد بالغرابة ليس ما مرّ بل المراد أنها لما فيها من البلاغة، ورونق الفصاحة، والندرة التي ترقت بها إلى الغاية في بابها حتى عدت عجيبة جداً قيل لها غرابة لإطلاق الغرابة على مثله، اً ولكونها من كلام الغير كالتضمين عدت غريبة أجنبية.

وأمّا ما في المفتاح من أنّ الاستعارة التمثيلية قد تغير ألفاظها المؤدّية لمعناها الحقيقي لأنهم صرّحوا بجواز التجوّز في مفرداتها كما مرّ فيه أنّ المثل لا يلزم أن يكون استعارة كما تلوناه عليك آنفاً، وأمّا القول بأنّ الاستعارة مشتملة على الغرابة ففي غاية الغرابة، وكذا كون العلم لا يغير فالمعنى أنها لكونها فريدة في بابها، وقد قصد حكايتها لم يجوّزوا تغييرها لفوات المقصود، وقد صرح بهذا في المستقصي، هذأ وإن طال تطوّلنا بما فيه من الفوائد البديعة فانظره بعين الإنصاف. قوله: (ثم استعير لكل إلخ الما قرّروا للمثل معنى لغويا، وهو النظير، ثم معنى ثانيّ نقل منه إليه وهو القول السائر، وليس واحد منهما مناسباً هنا قالوا إنه استعير من الثاني لمعنى ثالث هو المراد وهو الصفة العجيبة، وقوله لها شأن وفيها غرابة إشارة إلى العلاقة بينهما، وهي الاشتراك في الغرابة وعظم الشأن كما اتفق عليه الشرّاح وأرباب الحواشي، فما قيل من أنّ المثل إذا قصد به القصة لم يرد تشبيهها بذلك القول مما يتعجب منه، وفي مجمع الأمثال، ولشدة امتزاج معنى الصفة به صح أن يقال جعلت زيدا مثلا والقوم أمثالاً، ومنه قوله تعالى {سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ} [الأعراف: 177] في أحد القولين، ثم إنّ الحال والقصة والصفة أموو متقاربة، وقد جمع المصنف والزمخشريّ بينها متعاطفة بأو الفاصلة، ولم ينبهوا على وجهه (والذي يظهر لي) أنّ الشأن العجيب لما كان يعلم تارة بالمشاهدة كحال المنافقين،

وما هم عليه مما هو كنار على علم ومنه ما يعلم بإخبار الصادق المسوقة إليه كقصة الجنة التي قصها الله تعالى كما قيل:

وعشقتكم قبل العيان لكم كما تهوى الجنان بطيب الأخبار

ومنه ما يعلم بالبرهان ويدرك بالبصائر كصفات الباري جمع بينها كذلك وإليه إشارة ما في الكشاف حبث قال: أستعير المثل استعاوة الأسد للمقدام للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قال حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً وكذلك قوله {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد: 35] أي وفيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة، ثم أخذ في بيان عجائبها ولله المثل الأعلى أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلال، اهـ. فالحال عبارة عن أمور متعدّدة بقوم شتى وتدرك منهم وهي في المعاني كالقصة في الألفاظ، ولذا يعبر بها عن الاستعارة التمثيلية في اكثر، وفي الكشف جملة مثلهم إلخ الأشبه أن تجعل موضحة لقوله {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ} وفي كلامه ما يدل عليه، ويحتمل أن تجعل مقرّرة لجملة قصة المنافقين المسرودة إلى هنا ولا يبعد تنزيل قوله عليه أيضا بحمل حقيقة الصفة على أحوالهم المفهومة من مجموع الآيات، والحمل على الإستئناف ضعيف جدا لا سيما والأمثال تضرب للكشف، والبيان فإن قلت قوله أوّلا بضرب المثلى يقتضي أنّ ما هنا من قبيل ضرب المثل والمعنى الثاني، وتفسيره بالحال يقتضي أنه ليس بمراد بل لا تصح إوادته، قلت هنا أمران لفظ مثل، والتمثيل المدلول عليه بالكاف أداة التشبيه، والمفسر بالحال الأوّل والمشار إليه أولاً الثاني، والمراد به أن يؤتى للحال بنظير من غير نوعه ليرفعه على منصة العيان ويرميه على قارعة التقريع فالمراد بالضرب صياغة ذلك النظير واعتماله من ضرب السكة التي هي بيانه لا الضرب الذي هو مصدر لضرب المقابل للمورد، وهذا من إرسال ااصمثل والمراد بالتمثيل الإتيان بمثال فتدبر. قوله: (والمعنى حالهم العجيبة الشأن إلخ) ذكر للمثل ثلاثة معان، وفسر ما في النظم بالثالث، وحقيقة حالهم هيئة منتزعة من عدة أمور هي استضاءة معنوية بإظهار الإيمان واذهاب الله ذلك النور عند الإستضاءة بتفضيحهم وبقائهم متحيرين في ظلمات معنوية، كما قيل: وفي شرح الفاضل المحقق وجه الشبه هو أنّ المستوقد والمنافقين جميعاً وقعوا عقب مباشرة أسباب المطلوب، وملاحظة خيال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015