إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَبَرَقَتِ السُّيُوفُ فَرَّ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُنَافِقِ الْفِرَارَ وَالرَّوَغَانَ عِنْدَ ذَلِكَ وَمِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ الْبَذْلُ وَالتَّسْلِيمُ لِلَّهِ نَفْسًا وَهَيَجَانُ حَمِيَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّعَصُّبُ لَهُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ فَهَذَا قَدْ أَظْهَرَ صِدْقَ مَا فِي ضَمِيرِهِ حَيْثُ بَرَزَ لِلْحَرْبِ وَالْقَتْلِ فَلِمَاذَا يُعَادُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَإِذَا كَانَ الشَّهِيدُ لَا يُفْتَنُ فَالصِّدِّيقُ أَجَلُّ خَطَرًا أَوْ أَعْظَمُ أَجْرًا فَهُوَ أَحْرَى أَنْ لَا يُفْتَنَ لِأَنَّهُ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ فِي التَّنْزِيلِ عَلَى الشُّهَدَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ قَالَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْمُرَابِطِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مَرْتَبَةً مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ لَا يُفْتَنَ فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْهُ وَمِنَ الشَّهِيدِ قُلْتُ قَدْ صَرَّحَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ الصديقين لَا يسئلون وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء وَتَأْوِيلُهُ عِنْدنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مِنْ مَشِيئَتِهِ أَنْ يَرْفَعَ مَرْتَبَةَ أَقْوَامٍ مِنَ السُّؤَالِ وَهُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَمَا نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْحَكِيمِ فِي تَوْجِيِهِ حَدِيثِ الشَّهِيدِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ أَحَادِيثِ الرِّبَاطِ التَّعْمِيمُ فِي كل شَهِيد وَقد جزم الْحَافِظ بن حَجَرٍ فِي كِتَابِ بَذْلِ الْمَاعُونِ فِي فَضْلِ الطَّاعُون بِأَن الْمَيِّت بالطعن لَا يسئل لِأَنَّهُ نَظِيرُ الْمَقْتُولِ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِأَنَّ الصَّابِرَ بِالطَّاعُونِ مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِذَا مَاتَ فِيهِ بِغَيْرِ الطَّعْنِ لَا يُفْتَنُ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَظِيرُ الْمُرَابِطِ وَقَدْ قَالَ الْحَكِيمُ فِي تَوْجِيهِ حَدِيثِ الْمُرَابِطِ إِنَّهُ قَدْ رَبَطَ نَفْسَهُ وَسَجَنَهَا وَصَيَّرَهَا جَيْشًا لِلَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِمُحَارَبَةِ