أى: الخطاب المفصول البين الذى يتبينه من يخاطب به ولا يلتبس عليه، أو الخطاب الفاصل بين الحق والباطل ...
===
" فصل" للخطاب من إضافة الصفة للموصوف، وأن المصدر بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول على طريق المجاز المرسل، وعلاقته الجزئية أو التعلق الخاص، ولك أن تجعل الفصل باقيا على مصدرّيته، ويعتبر التجوز فى إضافته إلى الخطاب على حد: جرد قطيفة، وأخلاق ثياب؛ فأصله خطاب فصل نحو: رجل عدل، ونحو: وإنما هى إقبال وإدبار، وهذا أوفق بما عليه أئمة المعانى حيث رجحوا التجوز العقلى على التجوز الإعرابى بحذف المضاف، وعلى المجاز اللغوى، وذلك لتضمن المجاز العقلى من المبالغة البليغية ما لا يتضمنه المجاز اللغوى ولا المجاز الإعرابي.
(قوله: أى: الخطاب المفصول) المراد بالخطاب: الكلام المخاطب به، وقوله: " البين" تفسير للمفصول، وقوله: " الذي يتبينه" تفسير للبين أى: يجده بينا ظاهرا، ويعلمه كذلك من يخاطب به، وقوله: " ولا يلتبس عليه" تفسير لقوله: " يتبينه" فظهر لك أن التبين هنا بمعنى العلم والفهم، ولهذا عدّى بنفسه، وأما الذى بمعنى الظهور فهو لازم.
واعلم أن المراد بفصل الخطاب هنا إما الكتب المنزلة على الرسل أو ما يعمها ويعم سننهم القولية، واعترض بأن فصل الخطاب بهذا المعنى كيف يتناول القرآن، وفيه من المتشابهات ما لا يتبينها من يخاطب بها وتلتبس عليه؟ قلت: المراد بكون المخاطب يجده بينا ولا يلتبس عليه: أنه لا صعوبة فى فهمه، ومن حيث ما يخل بالبلاغة بحيث يعرف المخاطب مواضع الحذف والإضمار والفصل والوصل وغير ذلك من الأوصاف الموجبة للبلاغة، أو يجاب بأن كلام الشارح مبنى على مذهب المتأخرين من أن الراسخين فى العلم يعلمون تأويل المتشابهات وهم المخاطبون بها؛ لأن الخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام، فمخاطب البارى يجب أن يفهم ما خوطب به وهم يتبينونها، ولا تلتبس عليهم أو يجاب بأن المخاطب بها هو الرسول- عليه الصلاة والسّلام- وهو يتبينها أو يقال: إن إيتاءه عليه الصلاة والسّلام الكلام البين لا يقتضى أن يكون كل كلام أوتيه كذلك، وحينئذ فلا ترد المتشابهات على رأى السلف.
(قوله: أو الخطاب الفاصل)