لتوقفه عليها (والثانى) أى: تمييز الفصيح من غيره (منه) أى: بعضه ...
===
إنما احتاج لذلك الاعتذار لكونه قيد التمييز بالكلام حيث جعل الفصيح صفة له ولو لم يقيد بذلك وجعل الفصيح صفة اللفظ لم يحتج إلى هذا الاعتذار، وكان الأولى إسقاط ذلك القيد لعدم الإحواج لذلك الاعتذار، لكن العذر للشارح، حيث تبع المصنف فى الإيضاح الذى هو كالشرح لهذا المتن، فإنه قيد فيه بذلك القيد إشارة إلى أن البلاغة متوقفة على فصاحة الكلام أولا، وبالذات وعلى فصاحة الكلمات ثانيا وبالعرض.
وأيضا قد سبق أن فصاحة المفرد والكلام حقيقتان مختلفتان، فلو قدر الموصوف ما يتناول الكلام والمفرد كاللفظ الفصيح لكان كالجمع بين معنى المشترك بلا ضرورة، وهذا أعنى قول: الشارح: ويدخل إلخ، جواب عما يقال إن كلامه يقتضى أن البلاغة إنما تتوقف على تمييز الكلام الفصيح دون تمييز الكلمات، مع أنها تتوقف على تمييزها أيضا
(قوله: لتوقفه عليها) أى: لأن فصاحتها جزء من فصاحته
(قوله: أى تمييز الفصيح من غيره) هو بحسب التفصيل خمس تمييزات بعدد المخلات بالفصاحة، وهى تمييز الغريب من غيره، وتمييز المخالف للقياس من غيره، وتمييز المتنافر من غيره، وتمييز ما فيه تعقيد من غيره، وتمييز ضعف التأليف من غيره
(قوله: منه) ظاهره أنه خبر مقدم لقوله ما يبين وفيه أن كون ما يبين فى العلوم المذكورة من ذلك التمييز أمر معلوم، بخلاف كون بعض التمييز يبين فى العلوم المذكورة فأمر مجهول، والأنسب هو الإخبار بالمجهول لا بالمعلوم، فالأقعد من حيث المعنى أن تجعل (من) مبتدأ لكونها اسما بمعنى بعض، وإنما بنيت لكونها على صورة الحرف وما يبين خبر، والمعنى والثاني: بعضه التمييز الذى يبين متعلقه فى علم اللغة أو الصرف، وإلى هذا يشير الشارح بوجه ما، حيث قال: أى بعضه، وما قلناه من أن (من) اسم؛ لأنها بمعنى بعض، أحسن مما ذكره هنا بعض الحواشى من أنه ليس لفظ من مبتدأ، بل حالة محل المبتدأ وقائمة مقامه وهو بعض، إذ هذا خلاف المعروف عندهم، إذ المعروف أن لفظ (من) إذا كان بمعنى (بعض) كان اسما لاستقلال معناه بالمفهومية، إذ هو غير التبعيض الجزئى، وممن صرح باسميتها