(فالبلاغة) صفة (راجعة إلى اللفظ) ...

===

بلازم أن يراد بالحيوان وبالأبيض جميع أفرادهما، وقد يجاب بأن الملحوظ فى الحصرين وهما، لا ارتفاع لشأن الكلام إلا بالمطابقة لمقتضى الحال، ولا ارتفاع له إلا بمطابقته للاعتبار المناسب ثبوت الحكم لكل فرد، وأن المعنى كل فرد من أفراد الارتفاع لا يكون إلا بالمطابقة المذكورة، لا أن الملحوظ عدم خروج الحكم عن العام، وحينئذ إن لم يتحد الحصران يبطل أحدهما أو كلاهما، وإنما كان الملحوظ فيهما ثبوت الحكم لكل فرد من أفراد العام، لما علمت سابقا من أن اسم الجنس المفرد إذا أضيف لمعرفة ولم تقم قرينة على تخصيصه ببعض ما يصدق عليه كان لاستغراق أفراد الجنس، ولا شك أن كلا من الحصرين محتو على مصدرين: الارتفاع والمطابقة مضافين، فيكون المعنى أن كلا من الارتفاعين لا يحصل إلا بكل من المطابقة للاعتبار والمقتضى.

(قوله: فالبلاغة راجعة إلخ) هذا تفريع على تعريف البلاغة السابق أى: إذا علمت ما تقدم لك من التعريف ظهر لك أن البلاغة صفة راجعة للفظ؛ لأنها على ما علم من التعريف مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وظاهر أن المطابقة صفة المطابق فتكون المطابقة راجعة للكلام من رجوع الصفة للموصوف، لكن رجوعها له ليس مع قطع النظر عن معناه، بل رجوعها له باعتبار إفادته المعنى الحاصل بسبب التركيب وهو المعنى الثانى الذى يعتبره البلغاء ويقصدونه، وهى الخصوصيات التى يقتضيها الحال الزائدة على أصل المراد؛ لأنه لو كانت البلاغة صفة راجعة له مع قطع النظر عن المعنى المقصود إفادته، الذى هو المعنى الثانى وهو مقتضى الحال، لتصور معنى البلاغة بدون اعتبار مقتضى الحال، وهو محال.

وغرض المصنف بهذا التفريع دفع ما يتوهم من التناقض فى كلام الشيخ عبد القاهر فى دلائل الإعجاز؛ لأنه تارة يصف اللفظ بالبلاغة، وتارة يصف المعنى بها، وتارة ينفيها عن اللفظ، وتارة ينفيها عن المعنى، وحاصل دفع التناقض أن وصفه المعنى بها مراده المعنى الثانى باعتبار أن المقصود من اللفظ إفادته، ووصفه اللفظ بها باعتبار إفادته ذلك المعنى المقصود، ونفيها عن اللفظ مراده اللفظ المجرد عن المعنى والخصوصيات،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015