وهو كون الكلام مغلقا لا يظهر معناه بسهولة (قابلا) خبر بعد خبر؛ أى: كان قابلا (للاختصار) لما فيه من التطويل (مفتقرا) أى محتاجا (إلى الإيضاح) لما فيه من التعقيد (و) إلى (التجريد) ...
===
وقدّدت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا
فالكذب والمين بمعنى واحد، فأحدهما زائد لا بعينه، وهذا الفرق الآتى يقتضى أن يكون بينهما التباين، وما ذكره الشارح هنا فرق بينهما بحسب اللغة، وما يأتى فرق بحسب ما وقع عليه اصطلاح أهل هذا الفن.
(قوله: وهو كون الكلام مغلقا ... إلخ) أشار بذلك إلى أن التعقيد هنا مصدر المبنى للمفعول، أى: عقّد الكلام، لأجل أن يكون وصفا للكتاب، وأما التعقيد بمعنى جعل الكلام معقدا الذى هو مصدر المبنى للفاعل فهو وصف للفاعل، ولا تحسن إرادته هنا، وأورد على الشارح أن التطويل وكذا الحشو ليسا وصفين للكتاب إذا جعلا مصدرى المبنى للفاعل، بل إذا جعلا مصدرى المبنى للمفعول، فكان ينبغى التأويل فيهما أيضا ليكونا وصفين للكتاب؛ إلا أن يقال: إنه ترك التأويل فيهما اتكالا على المقايسة، أو ترك ذلك استغناء بتفسيرهما السابق؛ لأنه قد فسر كلا منهما باللفظ الزائد، وهذا يفيد حملهما على المحشوّ والمطوّل به، وأن المصدر بمعنى اسم المفعول، لا أنه باق على مصدريته حتى يحتاج إلى أن يؤولهما بما أول به التعقيد، ثم إن كون الكلام مغلقا: إما بسبب خلل فى اللفظ، وهو التعقيد اللفظى، أو خلل فى الانتقال، وهو التعقيد المعنوى، أو بسبب ضعف التأليف؛ لأن مخالفة النحو فى الكلام توجب صعوبة فهم المراد بالنسبة لمن تتبع قواعد الإعراب، فالتعقيد هنا فى كلام المصنف شامل لضعف التأليف بخلافه فيما يأتي؛ فإنه خاص بالأمرين الأولين. بدليل عطف ضعف التأليف عليه، كما أفاده الحفيد.
(قوله: خبر بعد خبر) أى: بناء على جواز تعدد خبر الناسخ، وإنما سكت عن جعله حالا من ضمير" غير مصون"؛ لأن الخبرية أظهر وأقرب؛ لأنه يوهم أن مغايرته للمصون مشروطة بملاحظة قبوله للاختصار مع أنه ليس كذلك؛ فإنه فى نفسه مغاير للمصون وإن لم يلاحظ ذلك، فيكون أدعى للقدوم على اختصاره، وما قيل فى" قابلا" من الإعراب يقال فى" مفتقرا"، واختار فى جانب الاختصار التعبير ب" قابلا"، وفى جانب الإيضاح والتجريد التعبير ب" مفتقرا"؛ إشارة إلى أن الاهتمام بالاختصار دون الاهتمام بالإيضاح والتجريد، فالتحرز عنهما أهم من التحرز عنه.