مترتبة المعانى متناسقة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل، لا تواليها فى النطق وضم بعضها إلى بعض كيفما اتفق.
(وكان القسم الثالث ...
===
أى: جمعها على الصفة التى ذكرها، وحيث كان المراد من نظمه ما ذكر، فيكون التعبير عنه بالنظم الذى هو إدخال اللآلئ فى السلك استعارة مصرحة، أو بالكناية، بأن شبه القرآن بعقد الدرر على طريق المكنية، وإثبات النظم تخييل أو شبه تأليف كلمات القرآن بإدخال اللآلئ فى السلك ثم استعير لفظ النظم له.
(قوله: مترتبة المعاني) أى: حال كون الكلمات مترتبة المعاني، بحيث يكون كل معنى فى مرتبته التى تليق به، فإذا كان أحد المعنيين لازما أو مسببا عن المعنى الآخر، أتى أولا بالمعنى الملزوم أو السبب، ثم بالمعنى اللازم أو المسبب، وكذا إذا أريد الحصر قدم المعمول على عامله؛ لأجل إفادة ذلك، فالمرتبة التى تليق بالمعمول حينئذ التقديم، وبالعامل التأخير، وإذا أريد عدم الحصر عكس الأمر.
(قوله: متناسقة الدلالات) المراد بالدلالات: الدلالات الاصطلاحية، وهى المطابقية والتضمنية والالتزامية، والمراد بتناقسها: تشابهها وتماثلها فى المطابقة لمقتضى الحال، أى: حال كون تلك الكلمات دلالتها متماثلة فى المطابقة لمقتضى الحال؛ فإذا كان الحال يقتضى دلالة المطابقة أتى بها، وهكذا، ولا يرد أن هذا المعنى هو الذى فسر به ترتيب المعانى فيما مر، فيلزم عليه التكرار؛ لأن الأول فى المعاني، والثانى فى الدلالات، وبينهما فرق.
(قوله: على حسب ما يقتضيه العقل) أى: على قدره.
(قوله: لا تواليها فى النطق) أى: فلا يقال لذلك نظم القرآن، والحاصل: أن نظم القرآن لا يطلق على جمع كلماته كيف اتفق، أى: من غير رعاية المناسبة فى المعنى الذى وجوده فى القرآن محال.
(قوله: وضم بعضها إلى بعض) مرادف لما قبله.
(قوله: كيفما اتفق) أى: على أى وجه وأى حال اتفق، سواء كان بين المثانى ترتيب أم لا، كان بين الدلالات تناسق أم لا.
(قوله: وكان القسم الثالث) الواو عاطفة لما بعدها على قوله: " كان علم البلاغة" لا للحال لأمرين:
أولهما: أن الأصل فى العطف الواو. والثاني: أن الحال يقتضى أن الحامل له على التأليف كون علم البلاغة من أجلّ العلوم، المقيد ذلك بكون القسم الثالث غير