لكونه فى أعلى مراتب البلاغة؛ لاشتماله على الدقائق والأسرار الخارجة عن طوق البشر. وهذا وسيلة إلى تصديق النبى صلّى الله عليه وسلّم، وهو وسيلة إلى الفوز بجميع السعادات فيكون من أجل العلوم؛ لكون معلومه وغايته من أجلّ المعلومات والغايات.

===

لكونه فى أعلى مراتب البلاغة) علة لكونه معجزا، وفيه أن القرآن كله ليس فى أعلى مراتب البلاغة؛ لأن بعضه أبلغ من بعض فيكون بعضه فى أعلى مراتب البلاغة وبعضه دونه، ولكن كله فى مرتبة الإعجاز، وظاهر الشارح خلافه وأن كله فى أعلى مراتب البلاغة، ويجاب: بأن" أعلى" بمعنى" عالى"، وهو يصدق على الأعلى وما دون الأعلى؛ لأن" عالى" مقول بالتشكيك على سائر مراتب العلو، أو أن" أعلى" باق على حاله، ولكن المراد أنه فى أعلى مراتب البلاغة بالنسبة لغيره من سائر كلام البلغاء، وهذا لا ينافى أن يكون بعضه أعلى من بعض فى البلاغة.

(قوله: لاشتماله على الدقائق والأسرار) هذا علة لكون القرآن فى أعلى مراتب البلاغة، وعطف" الأسرار" على" الدقائق" مرادف، والمراد بهما خواص التراكيب التى تقتضيها الأحوال، ثم إن ما ذكره الشارح من أن إعجاز القرآن لاشتماله على الدقائق والأسرار التى ليست فى طوق البشر وقدرتهم هو التحقيق عندهم، وقيل: إن إعجازه من جهة صرف ومنع قدرة البشر عن الإتيان بمثله، وقيل: لاشتماله على الإخبار عن المغيبات، وقيل: لسلامته عن الاختلاف والتناقض، وقيل: لمخالفته لكلام العرب من الرسائل والخطب والأشعار فى الأسلوب، ولا سيما فى المطالع والمقاطع.

(قوله: وهذا) أى: معرفة إعجاز القرآن وسيلة.

(قوله: وهو) أى:

تصديق النبى وسيلة إلى الفوز بجميع السعادات، أى الدنيوية والأخروية.

(قوله: لكون معلومه) أى: ما يعلم من هذا العلم وهو كون القرآن معجزا، وقوله: و" غايته" أى: وهى الفوز بالسعادات، وفى الكلام حذف، أى: وجلالة العلم بجلالة معلومه وغايته، وبهذا تم التعليل، وبما ذكرنا من أن المراد بمعلوم العلم ما يعلم منه اندفع ما يقال: إن معلوم العلم عبارة عن قواعده الكلية، ككل حكم منكر يجب توكيده، وكل فاعل مرفوع، وحينئذ فيلزم تعليل الشيء بنفسه؛ لأن العلم نفس القواعد الكلية التى هى معلومات الفن، وحاصل الجواب: أن مراده بمعلوم هذا العلم ما يعلم منه، ولا شك أن إعجاز القرآن يعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015