أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ فِي الْعُمُرِ (مَرَّةً) وَاحِدَةً بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكُلَّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْت: نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» .
وَلِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سُرَاقَةَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» .
(بِتَرَاخٍ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى الْفِعْلِ بَعْدُ وَأَنْ لَا يَتَضَيَّقَ بِنَذْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيَتِمَّ بِهَا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّ ظَاهِرَهَا وُجُوبُ الْإِتْمَامِ إذَا شَرَعَ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الشُّرُوعِ فَإِنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ عَلَيْهِ إنْ شَرَعْتُمْ فَأَتِمُّوا اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: مَرَّةً وَاحِدَةً) بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِعَارِضٍ كَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ. اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: خَطَبَنَا) أَيْ خَطَبَ لَنَا وَعَدَّاهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى وَعَظَ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَقَالَ رَجُلٌ) هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ كَذَا رَأَيْته بِهَامِشٍ صَحِيحٍ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ فِي حَجِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حَتَّى قَالَهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ اهـ. سم عَلَى الْبَهْجَةِ اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ) وَوَجَّهُوا سُكُوتَهُ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ أَوْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِأَمْرٍ أَهَمَّ لَكِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَحْسُنُ مَعَ قَوْلِهِ لَوْ قُلْت نَعَمْ. . . إلَخْ أَيْ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُفَوَّضًا لَهُ الْفَرْضُ كُلَّ عَامٍ وَعَدَمُهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ فِي ذَلِكَ وَانْظُرْ هَلْ كَانَ ذَلِكَ التَّخْيِيرُ عِنْدَ السُّؤَالِ أَوْ قَبْلَهُ حَرِّرْ. اهـ. وَفِي ع ش وَفِي م ر مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ أَيْ الْخَصْلَةُ أَوْ الْفَرِيضَةُ ثُمَّ قَوْلُهُ: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُعَلَّقًا عَلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَرِّعٌ لَا مُوجِبٌ ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَيْ مُقْتَضَاهَا وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى كُلٍّ كُلَّ عَامٍ وَلَعَلَّ الْوُجُوبَ عَلَى كُلٍّ كُلَّ عَامٍ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى قَوْلِهِ نَعَمْ اهـ بِالْحَرْفِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ) فِيهِ أَنَّ عَدَمَ الِاسْتِطَاعَةِ يُسْقِطُ الْوُجُوبَ مِنْ أَصْلِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ الْمَشَقَّةُ أَيْ وَلَشَقَّ عَلَيْكُمْ وَانْظُرْ وَجْهَ تَرَتُّبِ قَوْلِهِ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ عَلَى الشَّرْطِ أَعْنِي قَوْلَهُ لَوْ قُلْت نَعَمْ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بَلْ لِلْأَبَدِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى وُجُوبِهَا إذْ لَوْ كَانَتْ مَنْدُوبَةً لَمْ تَكُنْ لِلْأَبَدِ؛ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ كُلَّ عَامٍّ مِنْ الْمُسْتَطِيعِينَ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فِيهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْله بِتَرَاخٍ) إمَّا حَالٌ مِنْ كُلٌّ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ لِلْمُلَابَسَةِ وَحِينَئِذٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ أَيْ يَجِبُ بِتَرَاخٍ فِي مُتَعَلِّقِهِ أَيْ الْوُجُوبِ، وَالْمُتَعَلِّقُ هُوَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَلَا تَرَاخِيَ فِيهِ بَلْ هُوَ حَالِيٌّ تَأَمَّلْ وَإِنَّمَا كَانَ الْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ «وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا سَنَةَ عَشْرٍ وَمَعَهُ مَيَاسِيرُ» لَا عُذْرَ لَهُمْ وَقِيسَ بِهِ الْعُمْرَةُ ثُمَّ النُّسُكُ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِشَرْطِهِ أَوْ كِفَايَةٍ لِلْأَحْيَاءِ أَوْ تَطَوُّعٍ وَيُتَصَوَّرُ فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ نَعَمْ لَوْ تَطَوَّعَ مِنْهُمْ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ احْتَمَلَ أَنْ يَسْقُطَ بِفِعْلِهِمْ الْحَرَجُ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَيْضًا بِتَرَاخٍ) فَلِمَنْ لَزِمَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُمَا بَعْدَ سَنَةِ الْإِمْكَانِ.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَالْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ فِي الْمَسْأَلَة لَكِنْ اخْتَلَفَ صَاحِبَاهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ كَقَوْلِنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ (فَرْعٌ)
إذَا وُجِدَتْ شَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَجَبَ عَلَى التَّرَاخِي فَلَهُ التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يَخْشَ الْعَضَبَ فَإِنْ خَشِيَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ هَذَا مَذْهَبُنَا.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيُّ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا أَخَّرَ فَمَاتَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَاتَ عَاصِيًا عَلَى الْأَصَحِّ لِتَفْرِيطِهِ وَمِنْ فَوَائِدِ مَوْتِهِ عَاصِيًا أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا كَمَا لَوْ بَانَ فِسْقُهُ وَيُحْكَمُ بِعِصْيَانِهِ مِنْ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْفِعْلِ بَعْدُ) أَيْ الْآنَ إنْ عُلِّقَ بِيَعْزِمُ أَوْ بَعْدَ الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إنْ عُلِّقَ بِالْفِعْلِ. اهـ شَيْخُنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ هُنَا بِمَنْزِلَةِ دُخُولِ الْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ فَمَتَى اسْتَطَاعَ وَجَبَ عَلَيْهِ إمَّا الْمُبَاشَرَةُ بِالْفِعْلِ وَإِمَّا الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُؤَخِّرَ لِلصَّلَاةِ إذَا مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ لَا يَعْصِي وَأَنَّ الْمُؤَخِّرَ لِلْحَجِّ مَعَ ظَنِّهَا يَعْصِي؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ وَقْتِهِ وَهُوَ الْعُمُرُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَتَضَيَّقَ بِنَذْرٍ) كَأَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نَذَرَ الْحَجَّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَيَصِحُّ وَيُحْمَلُ مِنْهُ عَلَى التَّعْجِيلِ فَقَدْ ضَيَّقَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِتَعْيِينِ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَذْرِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ سَنَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ النَّذْرِ بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ. ع ش.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ (فَرْعٌ)
مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ غَيْرُهَا قَبْلَهَا فَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَضَاءٌ أَوْ نَذْرٌ قُدِّمَتْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ الْقَضَاءُ ثُمَّ النَّذْرُ وَلَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِهَا وَقَعَ عَنْهَا لَا عَنْ مَا نَوَى وَمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ أَوْ نَذْرٌ لَا يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ