أَوْ فَوْتَ حَقٍّ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَمَعْنَى ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ خَافَ بِهِ ذَلِكَ (كُرِهَ) وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ» .
(كَإِفْرَادِ) صَوْمِ يَوْمِ (جُمُعَةٍ أَوْ سَبْتٍ أَوْ أَحَدٍ) بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ (بِلَا سَبَبٍ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ» وَخَبَرِ «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ صَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلِأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَالنَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ فَلَوْ جَمَعَهَا أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَمْ يُعَظِّمْهُ أَحَدٌ أَمَّا إذَا صَامَهُ بِسَبَبٍ كَأَنْ اعْتَادَ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ فَوَافَقَ صَوْمُهُ يَوْمًا مِنْهَا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» وَقِيسَ بِالْجُمُعَةِ الْبَاقِي، وَقَوْلِي أَوْ أَحَدٌ بِلَا سَبَبٍ مِنْ زِيَادَتِي
(وَكَقَطْعِ نَفْلٍ غَيْرِ نُسُكٍ) حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (بِلَا عُذْرٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنَّ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ يُضَعِّفُهُ عَنْ الْفَرَائِضِ وَيَتَعَطَّلُ بِهِ عَنْ الْحُقُوقِ وَالْمَصَالِحِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ فِي مَعْنَاهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ الْأَفْعَالَ مُتَعَارِضَةُ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَلَيْسَ كُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومًا لَنَا وَلَا مُسْتَحْضَرًا وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ فَمِقْدَارُ تَأْثِيرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي الْحَثِّ وَالْمَنْعِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ لَنَا فَالطَّرِيقُ حِينَئِذٍ أَنْ نُفَوِّضَ الْأَمْرَ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ وَنَجْرِيَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الشَّرْعِ مَعَ قُوَّةِ الظَّاهِرِ هَهُنَا وَأَمَّا زِيَادَةُ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءُ الْعَادَةِ لِزِيَادَةِ الْأَجْرِ بِسَبَبِهِ فَيُعَارِضُهُ اقْتِضَاءُ الْعَادَةِ، وَالْجِبِلَّةِ لِلتَّقْصِيرِ فِي حُقُوقٍ يُعَارِضُهَا الصَّوْمُ الْفَائِتُ وَمَقَادِيرُ ذَلِكَ الْفَائِتِ مَعَ أَنَّ مَقَادِيرَ الْحَاصِلِ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَنَا اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ فَوْتَ حَقٍّ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ كحج وَلَوْ مَنْدُوبًا وَمُقْتَضَاهُ الْكَرَاهَةُ مَعَ فَوَاتِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي هَذِهِ حُرْمَتُهُ تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ عَلَى الْمَنْدُوبِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مُجَرَّدِ الْخَوْفِ وَأَمَّا عِنْدَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ فَيَحْرُمُ رَاجِعْهُ انْتَهَى قَلْيُوبِيٌّ عَلَى الْجَلَالِ وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقًّا وَاجِبًا حَرُمَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقًّا مَنْدُوبًا أَوْلَى مِنْ الصِّيَامِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَقَدَ تِسْعِينَ) وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِبْهَامَ وَيَجْعَلَ السَّبَّابَةَ دَاخِلَةً تَحْتَهُ مَطْبُوقَةً جِدًّا اهـ. ح ل وع ش وَالتِّسْعِينُ كِنَايَةٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَصَابِعَ الْمَبْسُوطَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ فِيهِ ثَلَاثُ عُقَدٍ وَكُلُّ عُقْدَةٍ بِعَشَرَةٍ فَتُضْرَبُ فِي تِسْعَةٍ بِتِسْعِينَ وَهَذَا اصْطِلَاحٌ لِلْحُسَّابِ اهـ شَيْخُنَا ح ف.
وَقِيلَ إنَّ التِّسْعِينَ كِنَايَةٌ عَنْ عُقَدِ السَّبَّابَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عُقْدَةٍ بِثَلَاثِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَعُقَدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ خَافَ ذَلِكَ كُرِهَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الضَّرَرُ مُبِيحًا لِلتَّيَمُّمِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُ رَمَضَانَ مَعَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالضَّرَرِ هُنَا مَا دُونَ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: كَإِفْرَادِ جُمُعَةٍ. . . إلَخْ) خَرَجَ نَفْسُ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَلَا فَرْقَ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِهِ بَيْنَ مَنْ يُرِيدُ اعْتِكَافَهُ وَغَيْرَهُ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يُرَاعَى خِلَافُ مَنْ مَنَعَ الِاعْتِكَافَ مَعَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ رِعَايَةِ الْخِلَافِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي مُخَالَفَةِ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلِيَتَقَوَّى بِفِطْرِهِ عَلَى الْوَظَائِفِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ وَمِنْ هُنَا خَصَّصَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ نَقْلًا عَنْ الْمَذْهَبِ بِمَنْ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الْوَظَائِفِ لَكِنْ يَرُدُّهُ مَا مَرَّ مِنْ نَدْبِ فِطْرِ عَرَفَةَ وَلَوْ لَمْ يَضْعُفْ بِهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الصَّوْمِ الضَّعْفَ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ كَرَاهَةَ صَوْمِهِ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً بَلْ لِأَمْرٍ عَارِضٍ وَيُؤَيِّدُهُ انْعِقَادُ نَذْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي النَّذْرِ وَيُقَاسُ بِهِ الْيَوْمَانِ الْآخَرَانِ إذْ لَا تَخْتَصُّ كَرَاهَةُ الْإِفْرَادِ بِالْجُمُعَةِ. اهـ. شَرْحُ م ر وَفِي الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ:.
وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي بَابِ النَّذْرِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ نَذَرَ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِصَوْمِ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ خَاصَّةٌ بِالنَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ فِي بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. انْتَهَى (قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ) أَيْ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فَلَا يُكْرَهُ الْإِفْرَادُ فِيهَا اهـ. ق ل.
(قَوْلُهُ: وَخَبَرُ «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ» . . . إلَخْ) هَذَا رُبَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَخْلُصُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِضَمِّ صَوْمٍ إلَيْهِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْيَهُودَ. . . إلَخْ) هَذَا الْعَطْفُ يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عِلَّةً اهـ. وَحِينَئِذٍ يَتَوَقَّفُ فِي قِيَاسِ يَوْمِ الْأَحَدِ عَلَى السَّبْتِ مَعَ عَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ عَنْهُ اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: فَلَوْ جَمَعَهَا. . . إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَصْدُقُ بِمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْأَحَدِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهَا بِالصَّوْمِ وَقَدْ يَمْنَعُ كَوْنَهُ جَمْعًا اهـ. ح ل وَبَقِيَ مَا لَوْ عَزَمَ عَلَى صَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ مَعًا أَوْ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ مَعًا ثُمَّ صَامَ الْأَوَّلَ وَعَنَّ لَهُ تَرْكُ الْيَوْمِ الثَّانِي فَهَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِكَرَاهَةِ الْإِفْرَادِ قَصْدُهُ بَلْ الصَّوْمُ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا صَامَ السَّبْتَ كُرِهَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَوْ لَا اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَمْ يُعَظِّمْهُ أَحَدٌ) يَرُدُّ عَلَى مَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِانْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ إذْ غَايَةُ الْجَمْعِ أَنَّهُ ضَمُّ مَكْرُوهٍ لِمَكْرُوهٍ اهـ. ح ل قِيلَ وَلَا نَظِيرَ لِهَذَا فِي أَنَّهُ إذَا ضُمَّ مَكْرُوهٌ لِمَكْرُوهٍ آخَرَ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ اهـ. حَجّ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا صَامَهُ بِسَبَبٍ. . . إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ إذَا لَمْ يُوَافِقْ إفْرَادَ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَادَةً لَهُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا أَوْ يَصُومُ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ فَوَافَقَ يَوْمَ صَوْمِهِ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ أَفْتَى