لِخَبَرِ «إذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمَوْتُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (لَا نَدْبٌ) ، وَهُوَ عَدُّ مَحَاسِنِهِ فَلَا يَجُوزُ كَأَنْ قَالَ وَا كَهْفَاهْ وَا جَمَلَاهْ وَا سَنَدَاهْ وَقِيلَ عَدَّهَا مَعَ الْبُكَاءِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ (وَ) لَا (نَوْحٌ) ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ (وَ) لَا (جَزَعٌ بِنَحْوِ ضَرْبِ صَدْرٍ) كَضَرْبِ خَدٍّ وَشَقِّ جَيْبٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَاسْتَثْنَى الرُّويَانِيُّ مَا إذَا غَلَبَهُ الْبُكَاءُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنْ كَانَ لِمَحَبَّةٍ وَرِقَّةٍ كَالْبُكَاءِ عَلَى الطِّفْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالصَّبْرُ أَجْمَلُ وَإِنْ كَانَ لِمَا فَقَدَهُ مِنْ عَمَلِهِ وَصَلَاحِهِ وَبَرَكَتِهِ وَشُجَاعَتِهِ فَيَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ أَوْ لِمَا فَاتَهُ مِنْ بِرِّهِ وَقِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ فَيَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لِتَضَمُّنِهِ عَدَمَ الثِّقَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ لِخَبَرِ إذَا وَجَبَتْ) أَيْ الْمُصِيبَةُ اهـ. ع ش وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ وَقَوْلُهُ إذَا وَجَبَتْ أَنَّثَ الْمَوْتَ بِاعْتِبَارِ الرُّوحِ اهـ. وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ» إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَالْمَكْرُوهِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ اهـ. ع ش (قَوْلُهُ قَالَ الْمَوْتُ) فِي الْمُخْتَارِ وَوَجَبَ الْمَيِّتُ إذَا سَقَطَ وَمَاتَ وَيُقَالُ لِلْقَتِيلِ وَاجِبٌ اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَوَجَبَ الْحَائِطُ وُجُوبًا سَقَطَ (قَوْلُهُ لَا نَدْبٌ وَنَوْحٌ) كُلٌّ مِنْ النَّدْبِ وَالنَّوْحِ صَغِيرَةٌ لَا كَبِيرَةٌ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَفِي حَجّ هُنَا أَنَّ النَّوْحَ وَالْجَزَعَ كَبِيرَةٌ اهـ. عِ ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ لَا نَدْبٌ) أَيْ عَلَى جِهَةِ الِافْتِخَارِ وَالتَّعَاظُمِ وَلَيْسَ مِنْهُ الْمَرَاثِي؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِ تَعْدَادِ الشَّمَائِلِ وَالْمَحَاسِنِ لَيْسَ فِيهَا التَّفَاخُرُ وَالتَّعَاظُمُ بَلْ التَّرْغِيبُ فِي الدُّعَاءِ لَهُ وَزِيَارَتُهُ اهـ. ح ل وَفِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ وَيُكْرَهُ رِثَاءُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ مَآثِرِهِ وَفَضَائِلِهِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمَرَاثِي وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَيَظْهَرُ حَمْلُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ تَبَرُّمٌ أَوْ عَلَى فِعْلِهِ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهُ أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ أَوْ عَلَى مَا يُجَدِّدُ الْحُزْنَ مَا عَدَا ذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهُ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ
قَدْ كُنْت لِي جَبَلًا أَلُوذُ بِظِلِّهِ ... فِي غَدْوَتِي وَصَبِيحَتِي وَمَسَائِيَا
وَالْيَوْمَ أَخْضَعُ لِلذَّلِيلِ وَأَتَّقِي ... مِنْهُ وَأَطْلُبُ حَاجَتِي مُتَرَاخِيَا
وَلَئِنْ بَكَتْ قُمْرِيَّةٌ إلْفًا لَهَا ... لَيْلًا عَلَى فَنَنٍ بَكَيْت صَبَاحِيَا
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَد ... أَنْ لَا يَشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا
اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ عَدُّ مَحَاسِنِهِ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ عَدُّ الْمَحَاسِنِ لَكِنْ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ) الْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فَالْبُكَاءُ وَحْدَهُ لَا يَحْرُمُ وَعَدُّ الشَّمَائِلِ مِنْ غَيْرِ بُكَاءٍ لَا يَحْرُمُ، وَهُوَ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَحْرُمُ تَعْدَادُ الشَّمَائِلِ إلَّا إنْ قَارَنَهُ الْبُكَاءُ وَرُفِعَ الصَّوْتُ اهـ. ح ل.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، وَهُوَ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمُوعِهِ عَدَّهَا مَعَ الْبُكَاءِ كَوَا كَهْفَاهُ وَا جَمَلَاهُ لِمَا سَيَأْتِي وَلِلْإِجْمَاعِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُحَرَّمُ النَّدْبُ لَا الْبُكَاءُ؛ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْمُحَرَّمِ بِجَائِزٍ لَا يُصَيِّرُهُ حَرَامًا خِلَافًا لِجَمْعٍ وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ أَبُو زُرْعَةَ قَوْلَ مَنْ قَالَ يَحْرُمُ الْبُكَاءُ عِنْدَ نَدْبٍ أَوْ نِيَاحَةٍ أَوْ شَقِّ جَيْبٍ أَوْ نَشْرِ شَعْرٍ أَوْ ضَرْبِ خَدٍّ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُحَرَّمَةٌ مُطْلَقًا. اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ نَدَبْته إلَى الْأَمْرِ نَدْبًا مِنْ بَابِ قَتَلَ دَعَوْته وَالْفَاعِلُ نَادِبٌ وَالْمَفْعُولُ مَنْدُوبٌ وَالْأَمْرُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالِاسْمُ النُّدْبَةُ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَمِنْهُ الْمَنْدُوبُ فِي الشَّرْعِ وَالْأَصْلُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ لَكِنْ حُذِفَتْ الصِّلَةُ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَنَدَبَتْ الْمَرْأَةُ الْمَيِّتَ نَدْبًا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْضًا فَهِيَ نَادِبَةٌ وَالْجَمْعُ نَوَادِبُ؛ لِأَنَّهُ كَالدُّعَاءِ، فَإِنَّهَا تُعَدِّدُ مَحَاسِنَهُ كَأَنَّهُ يَسْمَعُهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا جَزَعٌ) فِي الْمُخْتَارِ الْجَزَعُ ضِدُّ الصَّبْرِ وَبَابُهُ طَرِبَ اهـ.
(قَوْلُهُ كَضَرْبِ خَدٍّ) ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِاللَّطْمِ وَكَذَا تَضَمُّخٌ بِنَحْوِ رَمَادٍ وَصَبْغٍ بِسَوَادٍ فِي مَلْبُوسٍ وَفِعْلُ كُلِّ مَا يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَكَضَرْبِ يَدٍ عَلَى أُخْرَى عَلَى وَجْهٍ يَدُلُّ عَلَى إظْهَارِ الْجَزَعِ اهـ. عِ ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَشَقُّ جَيْبٍ) أَيْ وَنَشْرُ شَعْرٍ وَتَسْوِيدُ وَجْهٍ وَإِلْقَاءُ الرَّمَادِ عَلَى الرَّأْسِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِإِفْرَاطٍ فِي الْبُكَاءِ وَكَذَا تَغْيِيرُ الزِّيُّ وَلُبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ الْإِمَامُ وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إظْهَارَ الْجَزَعِ يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَلِهَذَا صَرَّحَ هُوَ بِحُرْمَةِ الْإِفْرَاطِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ وَنَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَلَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُوصِ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى