فَلَوْ انْهَدَمَتْ فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى الْعِمَارَةِ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ (فَلَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ خِيَامٍ) بِمَحَلِّهِمْ لِأَنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِينَ فَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ مَحَلِّهَا لَزِمَتْهُمْ فِيهِ تَبَعًا لِأَهْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
(وَ) ثَالِثُهَا (أَنْ لَا يَسْبِقَهَا بِتَحَرُّمٍ وَلَا يُقَارِنَهَا فِيهِ جُمُعَةٌ بِمَحَلِّهَا) لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِهَا بِمَحَلِّهَا إذْ لَمْ تَقُمْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ مَحَلِّهَا؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّحَرُّمُ أَيْ انْتِهَاؤُهُ مِنْ إمَامِهَا؛ لِأَنَّ بِهِ يَتَبَيَّنُ الِانْعِقَادُ أَمَّا السَّبْقُ وَالْمُقَارَنَةُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا فَلَا يُؤَثِّرَانِ وَتَعْبِيرِي بِمَحَلِّهَا أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِبَلْدَتِهَا (إلَّا إنْ كَثُرَ أَهْلُهُ) أَيْ أَهْلُ مَحَلِّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْخِنَا وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَنَى أَهْلُ الْقَرْيَةِ مَسْجِدَهُمْ خَارِجَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبُنْيَانِ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِصَالٍ لَا يُعَدُّ بِهِ مِنْ الْقَرْيَةِ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوَالَيْ الْمَسْجِدِ مِنْ الْبَلَدِ وَانْفَصَلَ عَنْ الْعُمْرَانِ بِحَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ بِأَنْ حَوَّطَ عَلَى الْعَامِرِ أَوْ اتَّخَذَ الْخَرَابَ مَزَارِعَ لَمْ تَصِحَّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ أَفْتَى بِالصِّحَّةِ قَالَ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْعُمْرَانِ فَرْسَخٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَهْجُرْ الْخَرَابَ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ أَوْ اتِّخَاذِهِ مَزَارِعَ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ انْهَدَمَتْ قَرْيَةٌ إلَخْ) وَلَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ بِنَاءٍ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفَارَقَ مَا لَوْ نَزَلُوا مَكَانًا وَأَقَامُوا فِيهِ لِيَعْمُرُوهُ قَرْيَةً حَيْثُ لَا تَصِحُّ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِاسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ أَيْ الْأَصْلُ وُجُودُ الْأَبْنِيَةِ هُنَا وَعَدَمُهَا ثَمَّ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى الْعِمَارَةِ) أَيْ عَلَى نِيَّتِهَا أَوْ أَطْلَقُوا اهـ. ع ش.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ.
قَوْلُهُ: عَلَى الْعِمَارَةِ أَيْ عَلَى عَدَمِ التَّحَوُّلِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا الْعِمَارَةَ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى الْعِمَارَةِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ غَيْرُ أَهْلِهَا لِعِمَارَتِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَتُهَا إذْ لَا اسْتِصْحَابَ فِي حَقِّهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم عَلَى حَجّ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمْ فَبَعْضُهُمْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَبَعْضُهُمْ عَدَمَهَا فَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِنِيَّةِ مَنْ نَوَى الْبِنَاءَ وَكَانَ غَيْرُهُمْ مَعَهُمْ جَمَاعَةٌ أَغْرَابٌ دَخَلُوا بَلْدَةً لِغَيْرِهِمْ فَتَصِحُّ مِنْهُمْ تَبَعًا لِأَهْلِ الْبَلَدِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فِيهَا) لَمْ يُعَبِّرْ بِالصِّحَّةِ الْمُنَاسِبَةِ لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الصِّحَّةِ اللُّزُومُ اهـ. ق ل.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ خِيَامٍ) كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ فَلَا تَصِحُّ بِخِيَامٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ عَدَمَ الصِّحَّةِ مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ وَلَوْ فِي أَبْنِيَةٍ لَكِنَّ التَّوَهُّمَ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ أَهْلِ خِيَامٍ أَيْ فِي خِيَامِهِمْ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِمَحَلِّهِمْ إلَخْ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ أَيْضًا فَلَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ خِيَامٍ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ تَصِحُّ مِنْهُمْ فِي الْخِيَامِ؛ لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ كَالْبُنْيَانِ هَكَذَا حَكَاهُ أَصْلُهُ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَسْبِقَهَا بِتَحَرُّمٍ) فِيهِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ أَيْ هِيَ لِأَنَّ إعْمَالَ الثَّانِي أَوْلَى. اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: بِمَحَلِّهَا) أَيْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. ش م ر وَقَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ أَيْ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَسْجِدَانِ وَكَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ إذَا صَلَّوْا فِيهِمَا وَسِعَاهُمْ مَعَ التَّعَدُّدِ وَكَانَ هُنَاكَ مَحَلٌّ مُتَّسِعٌ كَزَرِيبَةٍ مَثَلًا إذَا صَلَّوْا فِيهَا لَا يَحْصُلُ التَّعَدُّدُ فِيهَا هَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ فِعْلُهَا فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الثَّانِي فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي حِرْصًا عَلَى عَدَمِ التَّعَدُّدِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ: شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ) أَيْ شِعَارٍ هُوَ الِاجْتِمَاعُ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ) وَلَمْ يُنْظَرْ لِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْجَمَاعَةِ بَلْ وَجَبَ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ مَا يَظْهَرُ بِهِ الشِّعَارُ وَإِنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان وَاحِدٍ لَعَلَّهُ لِتَكَرُّرِ الْجَمَاعَةِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَطَلَبَ التَّعَدُّدَ لِتَسْهُلَ الْجَمَاعَةُ عَلَى طَالِبِيهَا فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ اجْتِمَاعُهُمْ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَرُبَّمَا أَدَّى إلَى تَرْكِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ سِيَّمَا عِنْدَ اتِّسَاعِ أَطْرَافِ الْبُلْدَانِ وَأَيْضًا الْمُرَادُ بِالشِّعَارِ هُنَا غَيْرُهُ ثُمَّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: إنَّ اجْتِمَاعَهُمْ بِمَحَلٍّ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ، وَقَوْلُهُمْ ثُمَّ إنَّ ضَابِطَ الشِّعَارِ أَنْ تَسْهُلَ الْجَمَاعَةُ عَلَى طَالِبِيهَا فِي كُلِّ جِهَةٍ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّحَرُّمُ إلَخْ) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ سَبْقُ الْهَمْزَةِ وَقِيلَ سَبْقُ التَّحَلُّلِ أَيْ بِتَمَامِ السَّلَامِ وَقِيلَ بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ اهـ مِنْ أَصْلِهِ مَعَ ش م ر.
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ كَثُرَ أَهْلُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ ش م ر وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجُمَعِ الْوَاقِعَةِ فِي مِصْرَ الْآنَ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ أَوَقَعَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ عُسْرُ الِاجْتِمَاعِ بِأَمْكِنَةِ تِلْكَ الْجُمَعِ فَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ مُصَلِّيهَا صَلَاةُ ظُهْرِ يَوْمِهَا لَكِنَّهَا تُسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ تَعَدُّدَ الْجُمُعَةِ بِالْبَلَدِ وَإِنْ عَسِرَ الِاجْتِمَاعُ فِي مَكَان فِيهِ، ثُمَّ الْجُمَعُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ إلَى التَّعَدُّدِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَيَجِبُ عَلَى مُصَلِّيهَا ظُهْرُ يَوْمِهَا وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ جُمُعَتُهُ إلَخْ، وَهَذَا مَوْجُودٌ الْآنَ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَا يَعْلَمُ هَلْ جُمُعَتُهُ سَابِقَةٌ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِهَا وَلَا يُقَالُ إنَّا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ صَلَاتَيْنِ الْجُمُعَةَ وَالظُّهْرَ، بَلْ الْوَاجِبُ وَاحِدَةٌ فَقَطْ إلَّا أَنَّا إذَا لَمْ نَتَحَقَّقْ مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ أَوْجَبْنَا كِلَيْهِمَا لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ، وَهَذَا كَمَا لَوْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ فَقَطْ وَتَلْزَمُهُ بِالْخَمْسِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ الْأُجْهُورِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ مَا نَصُّهُ (فَائِدَةٌ) سُئِلَ الشَّيْخُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ قَالَ أَنْتُمْ يَا شَافِعِيَّةُ خَالَفْتُمْ اللَّهَ