بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا وَفَتْحِهَا وَحُكِيَ كَسْرُهَا
(تَتَعَيَّنُ) وَالْأَصْلُ فِي تَعْيِينِهَا آيَةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] ، وَأَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ كَخَبَرِ «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَخَبَرِ: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْبِرْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ الْخَضِمَاتُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ فَمِيمٍ فَأَلِفٌ وَآخِرُهُ فَوْقِيَّةٌ اهـ وَهِيَ صَلَاةٌ أَصْلِيَّةٌ تَامَّةٌ عَلَى قَدْرِ الْمَقْصُورَةِ وَقِيلَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا أَوْ لِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ لِجَمْعِ خَلْقِ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِهَا أَوْ لِاجْتِمَاعِهِ بِحَوَّاءَ فِي عَرَفَةَ فِيهَا، أَوْ لِأَنَّهُ جَامَعَهَا فِيهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَكَانَ يُقَالُ لِيَوْمِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمُ الْعَرُوبَةِ أَيْ الْبَيِّنُ الْمُعَظَّمُ وَهُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّ يَوْمَهَا أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى» ، وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ اهـ. ح ل وَأَمَّا عِنْدَنَا فَيَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتُهَا أَيْ الْجُمُعَةُ أَفْضَلُ لَيَالِيِ الْأُسْبُوعِ كَمَا أَنَّ يَوْمَهَا أَفْضَلُ أَيَّامِهِ وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَتِهَا وَلَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِرُؤْيَتِهِ ذَاتَهِ تَعَالَى بِعَيْنِ بَصَرِهِ.
وَأَمَّا فِي حَقِّنَا فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ مِنْهَا وَلَيْلَةُ مَوْلِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْضَلُ مِنْ اللَّيْلَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِلَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَلَيْلَةِ الْمَوْلِدِ اللَّيْلَتَانِ الْمُعَيَّنَتَانِ لَا نَظَائِرُهُمَا مِنْ كُلِّ سَنَةٍ اهـ. شَيْخُنَا ح ف. (قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْمِيمِ) وَهُوَ أَفْصَحُ وَهُوَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَفَتْحُهَا لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَإِسْكَانُهَا لُغَةُ عَقِيلٍ وَقَرَأَ بِهَا الْأَعْمَشُ وَالْجَمْعُ جُمَعٌ وَجُمُعَاتٌ مِثْلُ غُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ وَجَمَّعَ النَّاسُ بِالتَّشْدِيدِ شَهِدُوا الْجُمُعَةَ كَمَا يُقَالُ عَيَّدُوا شَهِدُوا الْعِيدَ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَهَذِهِ اللُّغَاتُ الْأَرْبَعُ إنَّمَا هِيَ إذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْأُسْبُوعِ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ كَقَوْلِك صُمْت جُمُعَةً أَيْ أُسْبُوعًا تَعَيَّنَ سُكُونُ الْمِيمِ اهـ. شَيْخُنَا ح ف وَفِي ع ش عَلَى م ر وَأَمَّا الْجُمُعَةُ بِسُكُونِ الْمِيمِ فَاسْمٌ لِأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَأَوَّلُهَا السَّبْتُ اهـ. مِصْبَاحٌ وَعَلَيْهِ فَالسُّكُونُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ اهـ.
(قَوْلُهُ: تَتَعَيَّنُ) أَيْ تَجِبُ عَيْنًا (قَوْلُهُ: آيَةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] إلَخْ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ فِيهَا الصَّلَاةُ وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ السَّعْيِ إلَيْهَا وُجُوبُهَا وَسُمِّيَتْ الصَّلَاةُ ذِكْرًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ جُزْئِهِ اهـ. شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ش م ر {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَهُوَ الصَّلَاةُ وَقِيلَ الْخُطْبَةُ فَأَمَرَ بِالسَّعْيِ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَإِذَا وَجَبَ السَّعْيُ وَجَبَ مَا يُسْعَى إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَلَا يُنْهَى عَنْ فِعْلِ الْمُبَاحِ إلَّا لِفِعْلِ الْوَاجِبِ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا الشبراملسي قَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُجُوبِهَا بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثَيْنِ بَعْدَهَا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الْجُمُعَةِ إذْ وُجُوبُ السَّعْيِ فِي يَوْمِهَا شَامِلٌ لِنَحْوِ الْعَصْرِ وَأَيْضًا الذِّكْرُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ فَاحْتَاجَ لِذِكْرِ الْحَدِيثَيْنِ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ فِيهِ بِمَعْنَى الْمُتَأَكِّدِ فِعْلُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَامِلٌ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، فَذِكْرُهُ تَخْصِيصٌ لِمَا قَبْلَهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَرْبَعَةً) إنْ نَصَبَ فَذَاكَ وَإِنْ رَفَعَ فَعَلَى تَأْوِيلِ الْكَلَامِ بِالنَّفْيِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَا يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ مُسْلِمٌ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةٌ اهـ سم. اهـ. ع ش.
وَقَوْلُهُ إنْ نَصَبَ فَذَاكَ أَيْ فَذَاكَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ نَصَبَ قَوْلَهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ إلَخْ فَهُوَ عَلَى الْبَدَلِ وَإِنْ رَفَعَ فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَحَدُهَا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ فَعَلَى تَأْوِيلِ الْكَلَامِ بِالنَّفْيِ، أَوْ عَلَى أَنَّ إلَّا بِمَعْنَى لَكِنْ وَأَرْبَعَةٌ مُبْتَدَأٌ مَوْصُوفٌ بِمَحْذُوفٍ مَفْهُومٍ مِنْ السِّيَاقِ أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ إلَخْ بَدَلٌ اهـ. شَوْبَرِيٌّ بِإِيضَاحٍ فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَالْغَرَضُ مِنْ تَأْوِيلِ الرَّفْعِ بِمَا ذُكِرَ رَفْعُ الْإِشْكَالَ وَصُورَتُهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ تَامٌّ مُوجَبٌ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَجِبُ فِيهِ نَصْبُ الْمُسْتَثْنَى فَمَا وَجْهُ تَصْحِيحِ الرَّفْعِ هُنَا هَذَا وَفِي ش م ر مَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّصْبَ بَعْدَ الْكَلَامِ التَّامِّ الْمُوجَبِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُصْفُورٍ فَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي قَبْلَ إلَّا مُوجِبًا جَازَ فِي الِاسْمِ الْوَاقِعِ بَعْدَ إلَّا وَجْهَانِ أَفْصَحُهُمَا النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالْآخَرُ أَنْ تَجْعَلَهُ مَعَ إلَّا تَابِعًا لِلِاسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَتَقُولُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا بِنَصْبِهِ وَرَفْعِهِ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ} [البقرة: 249] بِالرَّفْعِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَلَمَّا تَفَرَّقُوا كُلُّهُمْ أَحْرَمُوا إلَّا أَبُو قَتَادَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جِنِّي فِي شَرْحِ اللُّمَعِ: وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ إلَّا صِفَةً وَيَكُونُ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَ إلَّا مُعْرَبًا بِإِعْرَابِ مَا قَبْلَهَا تَقُولُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدٌ وَرَأَيْت الْقَوْمَ إلَّا زَيْدًا وَمَرَرْت بِالْقَوْمِ