وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ أَيْ: الْغِنَى مِنْك أَيْ: عِنْدَك الْجَدُّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إلَى لَك الْحَمْدُ وَمُسْلِمٌ إلَى آخِرِهِ، وَمِلْءُ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ وَبِالنَّصْبِ حَالٌ أَيْ: مَالِئًا بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ جِسْمًا وَأَحَقُّ مُبْتَدَأٌ وَلَا مَانِعَ إلَى آخِرِهِ خَبَرُهُ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ وَيَسْتَوِي فِي سَنِّ التَّسْمِيعِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا خَبَرُ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» فَمَعْنَاهُ فَقُولُوا ذَلِكَ مَعَ مَا عَلِمْتُمُوهُ مِنْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِعِلْمِهِمْ بِقَوْلِهِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَإِنَّمَا خَصَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهُ غَالِبًا وَيَسْمَعُونَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيعِ لِلْإِمَامِ وَالْمُبَلِّغِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ النَّسَائِيّ رَوَى حَذْفَهُمَا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ إثْبَاتُهُمَا أَيْضًا اهـ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ يَقُلْ عَبِيدٌ مَعَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى جَمْعٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ أَجْمَعُونَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ وَقَلْبٍ وَاحِدٍ اهـ إيعَابٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَرْكِ تَنْوِينِ اسْمِ لَا أَعْنِي مَانِعَ وَمُعْطِيَ مَعَ أَنَّهُ مُطَوَّلٌ أَيْ: عَامِلٌ فِيمَا بَعْدَهُ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ الْمُوجِبِينَ تَنْوِينَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِمَنْعِ عَمَلِهِ هُنَا فِيمَا بَعْدَهُ بِأَنْ يُقَدَّرَ هُنَا عَامِلٌ أَيْ: لَا مَانِعَ يَمْنَعُ لِمَا أَعْطَيْت وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ أَوْ يَخْرُجُ عَلَى لُغَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ تَنْوِينَ الْمُطَوَّلِ وَيُجْرُونَهُ مَجْرَى الْمُفْرَدِ فِي بِنَائِهِ عَلَى الْفَتْحِ وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92] وَقَوْلُهُ {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ} [هود: 43] حَيْثُ قَالَ إنَّ عَلَيْكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِلَا تَثْرِيبَ وَمِنْ أَمْرِ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِلَا عَاصِمَ، وَجَوَّزَ ابْنُ كَيْسَانَ فِيهِ التَّنْوِينَ وَتَرْكَهُ لَكِنَّ التَّرْكَ أَوْلَى اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت زَادَ بَعْضُهُمْ) وَلَا رَادَّ لِمَا قَضَيْت اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ وَالْهَرَبُ وَيُطْلَقُ عَلَى أَبِي الْأَبِ وَعَلَى الْقَطْعِ وَالْحَظِّ وَالْعَظَمَةِ وَبِكَسْرِهَا نَقِيضُ الْهَزْلِ وَبِمَعْنَى الْحَقِّ أَيْضًا وَيَجُوزُ إرَادَتُهُ فِي الْحَدِيثِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ جَدَّ الشَّيْءُ يَجِدُّ بِالْكَسْرِ جِدَّةً فَهُوَ جَدِيدٌ وَهُوَ خِلَافُ الْقَدِيمِ وَجَدَّهُ جَدًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ قَطَعَهُ فَهُوَ جَدِيدٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَأَبُو الْأُمِّ وَإِنْ عَلَا وَالْجَدُّ الْعَظَمَةُ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقَالُ مِنْهُ جَدَّ فِي عُيُونِ النَّاسِ جَدًّا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا عَظُمَ وَالْجَدُّ الْحَظُّ يُقَالُ: جَدَدْت بِالشَّيْءِ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا حَظِيت بِهِ، وَالْجَدُّ الْغِنَى وَفِي الدُّعَاءِ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى عِنْدَك غِنَاهُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ بِطَاعَتِك وَالْجَدُّ فِي الْأَمْرِ الِاجْتِهَادُ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ وَالِاسْمُ الْجِدُّ بِالْكَسْرِ وَمِنْهُ يُقَالُ: فُلَانٌ مُحْسِنٌ جِدًّا أَيْ: نِهَايَةً وَمُبَالَغَةً وَجَدَّ فِي كَلَامِهِ جَدًّا مِنْ بَابِ ضَرَبَ خِلَافُ هَزَلَ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْجِدُّ بِالْكَسْرِ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ» اهـ.

(قَوْلُهُ أَيْ: الْغِنَى) بِالْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْفَقْرِ، وَأَمَّا بِالْمَدِّ فَهُوَ مَدُّ الصَّوْتِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا بِفَتْحِهَا مَعَ الْمَدِّ فَهُوَ النَّفْعُ اهـ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ أَيْ: عِنْدَك) أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ فِي الدُّنْيَا حَظُّهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ طَاعَتُك وَرَحْمَتُك وَرِضَاك عَنْهُ وَتَفْسِيرُ مِنْ بِمَعْنَى عِنْدَ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ فِي الْفَائِقِ هِيَ لِلْبَدَلِ بَعْدَ أَنْ جَوَّزَ كَوْنَهَا لِلِابْتِدَاءِ وَالْمَعْنَى لَا يَنْفَعُ صَاحِبَ الْحَظِّ وَالْمَالِ وَالِاجْتِهَادِ حَظُّهُ وَمَالُهُ وَاجْتِهَادُهُ فِي الْهَرَبِ مِنْ عِقَابِك بِذَلِكَ أَيْ بَدَلَ طَاعَتِك أَوْ بَدَلَ حَظِّهِ مِنْك وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ عَمَلُهُ بِطَاعَتِك وَدُخُولُهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِك اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) أَيْ: رَوَى جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَسُنَّ رَفْعُ كَفَّيْهِ إلَى لَك الْحَمْدُ فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ قَوْلًا وَفِعْلًا اهـ ع ش بِالْمَعْنَى.

(قَوْلُهُ وَبِالنَّصْبِ حَالٌ) أَيْ مِنْ الْحَمْدِ الَّذِي هُوَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَخَبَرُهُ لَك الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ الْمُتَقَدِّمُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ: لَك الْحَمْدُ لَا لِغَيْرِك اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ جِسْمًا) أَيْ مِنْ نُورٍ أَيْ: كَمَا أَنَّ السَّيِّئَاتِ تُقَدَّرُ جِسْمًا مِنْ ظُلْمَةٍ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ عَلَى كَوْنِهِ صِفَةً أَيْضًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَأَحَقُّ مُبْتَدَأٌ) وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى جَعَلَهُ مُنَادَى خَبَرُهُ لَا مَانِعَ فَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ أَيْ هَذَا الْقَوْلُ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ فَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ نَحْوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَنْزٌ إلَخْ أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ الْحَمْدِ وَلَك خَبَرٌ أَوَّلٌ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَمْدِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَا مَانِعَ إلَخْ خَبَرُهُ) أَيْ: لَفْظًا وَهُوَ مَقُولُ الْقَوْلِ مَعْنًى وَعَدَمُ نَصْبِ مَانِعٍ بِلَا إمَّا لِأَنَّهُ لُغَةٌ أَوْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ وَصْفِ الْمُنَادَى لَا نِدَاءً لِمَوْصُوفٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَيَسْتَوِي فِي سَنِّ التَّسْمِيعِ إلَخْ) ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ خَرَقَ الشَّافِعِيُّ الْإِجْمَاعَ فِي جَمْعِ الْمَأْمُومِينَ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فَرُدَّ بِأَنَّهُ سَبَقَهُ لِذَلِكَ عَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَأَبُو بُرْدَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَوْلُهُ فَمَعْنَاهُ قُولُوا ذَلِكَ إلَخْ أَيْ: زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهُ غَالِبًا أَيْ لِإِسْرَارِهِ بِالْأَوَّلِ وَجَهْرِهِ بِالثَّانِي اهـ ح ل.

(قَوْلُهُ وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيعِ إلَخْ) أَيْ: إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ م ر؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ انْتِقَالٍ وَإِطْبَاقُ أَكْثَرِ عَوَامِّ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْإِسْرَارِ بِهِ وَالْجَهْرِ بِرَبِّنَا لَك الْحَمْدُ جَهْلٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015