لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أَيْ: إذَا أَرَدْتَ قِرَاءَتَهُ فَقُلْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (كُلَّ رَكْعَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ فِيهَا قِرَاءَةً (وَالْأُولَى آكَدُ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا.

(وَإِسْرَارٌ بِهِمَا) أَيْ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمَسْنُونَةِ (وَ) سُنَّ (عَقِبَ الْفَاتِحَةِ) بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا (آمِينَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الصَّلَاةِ وَقِيسَ بِهَا خَارِجُهَا (مُخَفِّفًا) مِيمَهَا (بِمَدٍّ وَقَصْرٍ) وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQيُبَسْمِلَ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم لَكِنَّهُ خَصَّهُ م ر بِخَارِجِهَا فَلْيُحَرَّرْ. أَقُولُ وَيُوَجَّهُ مَا خَصَّهُ م ر بِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاتِهِ يُعَدُّ مَعَ الْفَاتِحَةِ كَأَنَّهُ قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْقِرَاءَةُ الْوَاحِدَةُ لَا يُطْلَبُ التَّعَوُّذُ وَلَا التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهَا نَعَمْ لَوْ عَرَضَ لِلْمُصَلِّي مَا مَنَعَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ زَالَ وَأَرَادَ الْقِرَاءَةَ بَعْدُ سُنَّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِالْبَسْمَلَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ ابْتِدَاءً قِرَاءَةٌ الْآنَ اهـ ع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ مِنْ الشَّيْطَانِ) هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ مِنْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ أَوْ مِنْ شَطَنَ بِمَعْنَى بَعُدَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُعْدِهِ عَنْ الرَّحْمَةِ أَوْ عَنْ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ أَوْ عَنْ تَعَوُّذٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْجِنْسُ وَقِيلَ إبْلِيسُ وَقِيلَ الْقَرِينُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ الرَّجِيمِ) بِمَعْنَى الْمَرْجُومِ بِاللَّعْنِ أَوْ الرَّاجِمِ بِالْوَسْوَسَةِ فَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ وَالصِّيغَةُ لِلذَّمِّ وَالتَّحْقِيرِ وَالْمَعْنَى أَلْتَجِئُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ مَطْرُودٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ كُلَّ رَكْعَةٍ) أَيْ فِي قِيَامِهَا أَوْ بَدَلِهِ وَلَوْ الْقِيَامَ الثَّانِيَ مِنْ صَلَاةِ الْخُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِلْقِرَاءَةِ وَقَدْ حَصَلَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالرُّكُوعِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَيَتَعَوَّذُ كُلَّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْأُولَى آكَدُ مِمَّا بَعْدَهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا أَيْ: أَنَّ التَّعَوُّذَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَالثَّانِي يَتَعَوَّذُ فِي الْأُولَى فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ وَإِسْرَارٌ بِهِمَا) أَيْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا اهـ شَرْحُ م ر أَيْ: فَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصَدَ تَعْلِيمَ الْمَأْمُومِينَ التَّعَوُّذَ وَالِافْتِتَاحَ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ إمَّا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا اهـ ع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمَسْنُونَةِ) أَيْ: فَإِنَّهُ يُطْلَبُ الْإِسْرَارُ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْأَذْكَارِ مَا يَشْمَلُ الدُّعَاءَ فَيُسِرُّ بِهِ إلَّا الْقُنُوتَ عَلَى مَا يَأْتِي فِيهِ اهـ ع ش.

(قَوْلُهُ وَعَقِبَ الْفَاتِحَةِ آمِينَ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ السُّنَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ شَرَعَ فِي اللَّاحِقَتَيْنِ فَقَالَ: وَعَقِبَ الْفَاتِحَةِ آمِينَ إلَخْ اهـ شَرْحُ م ر وَلَا يُسَنُّ عَقِبَ بَدَلِ الْفَاتِحَةِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْعُبَابِ فَلَوْ تَضَمَّنَتْ آيَاتُ الْبَدَلِ دُعَاءً فَيَنْبَغِي التَّأْمِينُ عَقِبَهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ أَيْ: وَإِلَّا فَلَا يُؤَمِّنُ عَقِبَهَا وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ اهـ ز ي.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَسُنَّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَدَلَهَا إنْ تَضَمَّنَ دُعَاءً فِيمَا يَظْهَرُ مُحَاكَاةً لِلْمُبْدَلِ آمِينَ انْتَهَتْ، وَلَوْ بَدَأَ فِي الْبَدَلِ بِمَا يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ وَخَتَمَ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُهُ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ فِي الْآخِرَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُؤَمِّنُ إلَّا إنْ أَخَّرَ مَا يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ اهـ.

(قَوْلُهُ بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ) أَيْ: بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ اهـ ع ش فَالْمُرَادُ بِالْعَقِبِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا لَفْظٌ إذْ تَعْقِيبُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ سَنِّ السَّكْتَةِ اللَّطِيفَةِ بَيْنَهُمَا؛ إذْ لَا يَفُوتُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ: وَلَوْ سَهْوًا فِيمَا يَظْهَرُ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا لَفْظٌ. نَعَمْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ نَحْوَ رَبِّ اغْفِرْ لِي لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَقِبَ وَلَا الضَّالِّينَ رَبِّ اغْفِرْ لِي آمِينَ اهـ حَجّ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلِوَالِدِيَّ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا اهـ ع ش عَلَيْهِ وَالسَّكَتَاتُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ: سَكْتَةٌ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَفْتَتِحُ فِيهَا، وَثَانِيَةٌ: بَيْنَ وَلَا الضَّالِّينَ وَآمِينَ، وَثَالِثَةٌ: لِلْإِمَامِ بَيْنَ التَّأْمِينِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ وَيَشْتَغِلُ حِينَئِذٍ بِدُعَاءٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ سِرًّا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى، وَرَابِعَةٌ: قَبْلَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَتَسْمِيَةُ كُلٍّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ سَكْتَةً مَجَازٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْكُتُ حَقِيقَةً لِمَا تَقَرَّرْ فِيهِمَا، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَعَدَّهَا الزَّرْكَشِيُّ خَمْسَةً الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ وَسَكْتَةٌ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالِافْتِتَاحِ وَسَكْتَةٌ بَيْنَ الِافْتِتَاحِ وَالْقِرَاءَةِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ التَّأْمِينِ اهـ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ بِمَدٍّ وَقَصْرٍ) أَيْ: لِعَدَمِ إخْلَالِهِ بِالْمَعْنَى وَحَكَى مَعَ الْمَدِّ لُغَةً ثَالِثَةً وَهِيَ الْإِمَالَةُ وَحُكِيَ أَيْضًا التَّشْدِيدُ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَهُوَ لَحْنٌ بَلْ قِيلَ: إنَّهُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ وَالْمُرَادُ قَاصِدِينَ إلَيْك وَأَنْتَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ تُخَيِّبَ مَنْ قَصَدَك اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ) وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: الْأَصْلُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّ وَزْنَهُ فَعِيلٌ، وَأَمَّا الْمَدُّ فَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْعَجَمِ كَقَابِيلَ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إنَّهُ بِالْمَدِّ لَيْسَ عَرَبِيًّا وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ عَرَبِيٌّ فَالْأَلِفُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ إشْبَاعِ فَتْحَةِ الْهَمْزَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ) وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا وَقِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا أَحَدٌ سِوَاك وَقِيلَ جِئْنَاك قَاصِدِينَ وَدَعَوْنَاك رَاغِبِينَ فَلَا تَرُدَّنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015