حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» «وَقَوْلُهُ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَغَيْرُ هُمَا وَوُجُوبُهَا مُوسَعٌ إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا، فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي كَانُوا يُصَلُّونَهَا فَعَجَزُوا عَنْهَا وَذَلِكَ شَفَقَةٌ مِنْهُ عَلَى أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ إبْرَاهِيمَ لِكَوْنِهِ خَلِيلًا وَمِنْ شَأْنِ الْخَلِيلِ التَّسْلِيمُ وَلَمْ يُخْتَبَرْ قَوْمُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا) وَلَمْ يُرَاجِعْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهُ لَحَطَّ عَنْهُ الْخَمْسَ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخَمْسِينَ صَلَاةً نُسِخَتْ فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى وَجْهِ النَّفْلِيَّةِ، وَضَبَطَ السُّيُوطِيّ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَتْ مِائَةَ رَكْعَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمِائَةَ هِيَ الَّتِي فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ هَذَا وَفِي كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} [البقرة: 286] أَنَّ مِنْ الْإِصْرِ الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَخُفِّفَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَتْ مَفْرُوضَةً عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيُعَارِضُهُ مَا فِي مِعْرَاجِ الْغَيْطِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ مُوسَى بِذَلِكَ قَالَ لَهُ ارْجِعْ إلَى رَبِّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ عَنْك وَعَنْ أُمَّتِك، فَإِنَّ أُمَّتَك لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ خَبَرْت النَّاسَ قَبْلَك وَبَلَوْت بَنِي إسْرَائِيلَ وَعَالَجْتُهُمْ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَضَعُفُوا اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ الْخَمْسُونَ فَلَمْ يَقُومُوا بِهَا فَسَأَلَ مُوسَى التَّخْفِيفَ عَنْهُمْ فَخَفَّفَ بِإِسْقَاطِ الْبَعْضِ فَلَمْ يَقُومُوا بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ التَّخْفِيفِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَمَا نَقَلَهُ الْغَيْطِيُّ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(فَائِدَةٌ)
وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ عِبَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ مَا هِيَ وَفِي أَيِّ مَكَانِ كَانَ يَتَعَبَّدُ وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَبَّدُ عَلَى شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ لَا وَمَا كَانَتْ شَرِيعَتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ هَلْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَ يَقْرَأُ فِي عِبَادَتِهِ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَأَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَبَّدْ بِشَرِيعَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا وَعِبَادَتُهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَتْ شَهْرًا فِي السَّنَةِ فِي غَارِ حِرَاءَ بِالْمَدِّ يَتَفَكَّرُ فِي آلَاءِ اللَّهِ وَيُكْرِمُ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ الضِّيفَانِ ثُمَّ بَعْدَ الْبَعْثَةِ كَانَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَانِ بِالْعَشِيِّ كَمَا قِيلَ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُ فِيهِمَا وَالرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ صَلَّاهُمَا بِالْأَنْبِيَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتَا مِمَّا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا قَرَأَهُ فِيهِمَا ثُمَّ رَأَيْت فِي نُزْهَةِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ فِيهِمَا سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَقَوْلُهُ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا وَرَدَ أَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ لَمْ يُحْفَظْ فِي الْإِسْلَامِ صَلَاةٌ قَطُّ بِغَيْرِ الْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلُهُ أَيْ الْبِرْمَاوِيِّ كَانَتْ شَهْرًا فِي السَّنَةِ أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ رَمَضَانَ فَكَانَ يَخْلُوهُ فِي حِرَاءَ كُلَّ سَنَةٍ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَخْ) غَرَضُهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِالتَّخْفِيفِ عَدَمُ الْوُجُوبِ مَعَ النَّدْبِ أَوْ تَقْوِيَةُ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذِكْرِ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ح ل دَفَعَ بِهِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ التَّخْفِيفَ حَصَلَ فِي الْفَرِيضَةِ كَمَا حَصَلَ فِي الْعَدَدِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا) ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ كَأَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَطَالَبَهُ وَلِيُّ الدَّمِ بِاسْتِيفَائِهِ فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ تَعَيَّنَتْ فِيهِ أَيْ فِي أَوَّلِهِ فَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ تُضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ اهـ رَوْضٌ وَشَرْحُهُ اهـ ع ش
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَخْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا أَيْ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ بِأَنْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهَا وَلَمْ يُلَاحِظْ كَوْنَهُ فِي الْوَقْتِ أَثِمَ اهـ ح ل وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا عَزْمٌ عَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَعْزِمَ عِنْدَ الْبُلُوغِ عَلَى فِعْلِ كُلِّ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ كُلِّ الْمَعَاصِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ سم فِي الْآيَاتِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا) أَيْ وَقَدْ ظَنَّ السَّلَامَةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ السُّبْكِيّ وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ عَصَى، فَإِنْ عَاشَ وَفَعَلَهُ فَالْجُمْهُورُ أَدَاءً وَقَالَ الْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ وَالْحُسَيْنُ قَضَاءً وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ فَالصَّحِيحُ لَا يَعْصِي بِخِلَافِ مَا وَقْتُهُ الْعُمْرُ كَالْحَجِّ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ أَيْضًا: فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَخْ) فَالْوَاجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْفِعْلُ أَوْ الْعَزْمُ الْمَذْكُورُ لَا يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّازِمُ كَوْنُهَا غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَى الْعَيْنِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِجُمْلَةِ الْوَقْتِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مُطْلَقًا عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُ خِلَافُ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ) فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْعَزْمِ وَقَبْلَ الْفِعْلِ يَأْثَمُ